الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محدش مرتاح


أقدم شكل مؤسسي عرفته البشرية هو مؤسسة الزواج، ومع احترامي لكل المعترضين على لفظة "مؤسسة " إلا أنها التعبير الدقيق الذي يصِف تلك العَلاقة بشكل عميق وسليم.

فهي اتفاق على تأسيس شركة رأسمالها أحلي أيام عمر الطرفين وما ينتج عن ذلك من تضحيات وتنازلات من أجل إجراء المواءمات التي تصب في صالح طرفي ذَلِك الاتفاق.

ولأن الهدف الأساسي الذي تقام عليه أي مؤسسة هو الربح ، فالحال لا يختلف أيضًا في الزواج ، بل من الأولى أن تقام تلك المؤسسة على حسابات المكسب والخسارة ، فحتى الشركات غير الهادفة للربح تكون واضحة الأهداف من البداية أنها لا تسعى للربح التقليدي وإنما تحقيقًا لمكاسب أخرى.

مؤسسة الزواج يجب أن تحقق أرباحًا ثلاثية الأبعاد ، على صعيد البعد النفسي والاجتماعي والشخصي مجتمعين، إذا أخفقت في تحقيق أحدهما فقد فشلت في تحقيق الهدف الذي أقيمت من أجله.

فنفسيًا يجب أن توفر تلك العلاقة لأصحابها حائط صلب من السعادة والاستقرار النفسي، قادر علي صد صواريخ التحديات والصِعاب التي تعج في سماء الحياة، أما اجتماعيًا فتلك العلاقة تنشأ في الحاضر لتجاوز الماضي بأفراحه وأتراحه، وصناعة مستقبل قابِل لأن يكون حاضِر مُزهِر ، ويومًا ما يصلح لأن يشار إليه بأنه كان ماضيا مشرقا.

ومع وجود الرؤية التي ستوفر البعد النفسي والاجتماعي سينعكِس ذَلِك تلقائيًا علي البعد الشخصي ، وهو أن تجعل منك تلك العلاقة شخصا أفضل بشكل أو بآخر .

ولن ننكر لعبة القدر، وتعاويذ القسمة والنصيب وَلَكِن ما دام عقلك في رأسك إذًا فأنت الأدري بخلاصك! فلن يُقدَّر عليك إلا ما سعيت إليه ولن تقتسِم إلا رزقك، وعلى نياتكم ترزقون!

وهنا يجب أن يواجه المرء نفسُه بما في نفسِه، يسألها ويفهم متطلباتها ومفاتيح سعادتها وأسرار شقائها ، يستوعبها بفهم وصدق قبل أن يسأل الآخرين ذلك.

سنوات طويلة والزيجات تبنى على ما يشبه السيرة الذاتية (C.V) للعريس والعروس من أيام الخاطبة وحتى زمان جوجل ، كل طرف يذكر أحسن ما جُبل عليه، وإن تغيرت المعايير فالمبدأ واحد على مر الزمان .

ففي زمن الجدات كان على العريس أن يكون قيمة وسيمة ووظيفة ميري وشقة 4 مطارِح والعروس تقدِس الحياة الزوجية ، وتجيد الأعمال المنزلية ! مقايضة مذهلة كان ممكن الاختصار وتسهيل الاختيار ، ونكتفي بأن هناك شقة تبحث عن من ترعاها تنظفها بضمير ، وتملأها عيال بعدد وفير !

منطق خاطئ توارثناه ضمن تركة ثقيلة من المفاهيم البالية والعادات المرهقة، ولا يعني الاستقرار النسبي وانخفاض معدلات الطلاق بين جيل أجدادنا نجاح تِلْك الطريقة ، فقد عانوا من الطلاق النفسي والفكري والمعنوي في صمت وثبات وخاصة الجدات ، مفهوم ذلك الزمان لم يكن ليسمح بالطلاق ، فالمطلقة كالمجرمة ترفضها الأسرة ويلفظها المجتمع ، لذا اتشحن بالصبر الطويل ، والسكوت المرير ، وتجرعن الموت البطيء والحزن الدفين، ولكن لا عاصِم لهن في هذا الزمان فالزوج أمامهن والقهر الأُسَري والمجتمعي خلفهن!

نعم بالرغم من الخلافات التي أدت إلي الاختلافات ، إلا أن البيوت اتسمت بالوقار لأنه كان ملمحا من ملامح هذا الزمن ، وارتسمت العَلاقات بالاحترام لأنه كان صفة أهل هذا الزمان ، ومن مِنح ذلك الزمن أن الرغبات والتطلعات والأمنيات والمعوقات لم تكن بقدر ما نعيشه اليوم ، الصور المنعكسة هادئة ،فلم يكن الأبيض والأسود يسمح بأن نقرأ المزيد من الرتوش علي عكس التواصل الاجتماعي الذي نزع غطاء الستر فبدت الصورة صادمة .

تغير الزمن وتبدلت مفاهيمه مع الحفاظ علي الهُوية الأصلية في أساسيات الاختيار الخاطئ ، الاختيار القائم على السيرة الذاتية ، وإن طرأت عليها بعض التعديلات بحسب المستوى الاجتماعي فالعروس التي ستوفر في جهازها شاشة تلفزيون ومايكروويف هي العروس المنشودة في بعض الطبقات ، والعريس طالما قادر علي اصطحاب العروس شتاءً لأوروبا وصيفًا لمراسي إذًا هو العريس المسنود بالعقل الجمعي لطبقات أخري.

وهذا لا يعني بالطبع أن كل الزيجات (العقلية) زيجات فاشلة وأن النجاح حليف الاختيارات ( القلبية ) بالقطع لا، فكم من زيجات تمت بمعيار الاختيار القلبي وفشلت فشلًا سريعًا وذريعًا ، لأن مرآة الحب يرتد لها بصرها مع أول اختلاف ينتج من عدم الاتلاف .

قلب يَحْكُمه عقل، وعقل يمنهجه قلب ، هو ما نحتاج إليه لعلاقات سليمة وأُسر سعيدة، انظر حولك، ستفاجأ بأن (محدش مرتاح ) إلا من رحم ربي ، السعادة عزيزة في عيون الناس، الكهولة تغتال براءة الأطفال فأكتافهم محملة بمشاكل ذويهم ، فهم أول من يحاسِب على ( مشاريب) الزواج الفاشل .

كل دقيقة تحمِل لنا ستين ثانية بين كل ثانية وثانية نساء على شفا جُرف هار من الطلاق النفسي والخُلع المعنوي، وعدد لا بأس به من الرجال يتجرعون من نفس الكأس، فلنرحم بَعضُنَا البعض ونتحلي بثقافة الاختيار لعلنا نستطيع أن نقدم للمجتمع أُسرًا نحتسبها من الأبرار.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-