جدَّدت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية سامح شكري حول موضوع إرسال قوات عربية إلى سوريا وقوله "إن فكرة إحلال قوات بأخرى ربما تكون عربية هو أمر وارد.. وهذا الطرح لا يتردّد فقط على المستوى الإعلامي وإنما أيضًا في المناقشات والمداولات بين مسؤولي الدول لبحث إمكانية إسهام هذه الأفكار في استقرار سوريا".
الأسئلة المصرية والعربية حول جدوى وخطورة وأهمية، إرسال قوات عربية الى سوريا خصوصًا وأن عادل الجبير وزير الخارجية السعودي قال صراحة "إن السعودية لا تمانع في إرسال قوات إلى سوريا".
والحقيقة قبل أي نقاش لا تعني إرسال قوات مصرية بالتحديد إلى سوريا. فمصر عبر المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المستشار أحمد ابو زيد قال إن "التصريح المشار إليه من جانب وزير الخارجية وأثار ضجة كبرى جاء "ردًا على سؤال حول صحة ما يتردد في بعض الدوائر الإعلامية الدولية والعربية بشأن طلب الولايات المتحدة إرسال قوات عربية إلى سوريا ولم يكن يتعلق من قريب أو بعيد بإمكانية إرسال قوات مصرية إلى سوريا".. وأضاف أن "تفسير تلك التصريحات لا يجب إسقاطه بأي شكل من الأشكال على مصر".
وزاد بالقول الفصل "إن إرسال قوات مصرية إلى الخارج لا يتم إلا وفقًا لآليات دستورية وضوابط وقواعد تم التأكيد عليها أكثر من مرة مثل الحالات الخاصة بعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة".
وعليه فالقضية ليست إرسال قوات مصرية الى سوريا ولكن فكرة إرسال قوات عربية من دول عدة الى سوريا استجابة للطلب الأمريكي.
والحقيقة أن أمريكا التي عبرت صراحة عن رغبتها الانسحاب من سوريا على لسان رئيسها دونالد ترامب، ثم سرعان ما تراجعت بعدما خرجت تحذيرات إقليمية ودولية وعربية للإدارة الأمريكية تحذرها من أن الانسحاب من سوريا. وخصوصًا في المناطق التي تتواجد فيها قوات أمريكية في شمال سوريا سيدفع بالميليشيات الإيرانية والقوات الروسية إلى سرعة السيطرة عليها.. بما يزيد من تعقيدات الوضع تماما على الساحة السورية ويلغي أي وجود أمريكي في سوريا ويكون الانسحاب الأمريكي بمثابة مكافأة لكل من إيران وروسيا.
فتراجعت أمريكا عن قرارها ورأت أن تنسحب هى لتحل مكانها قوات عربية، وقد طلبت ذلك علانية من السعودية ودول أخرى.
لكن القضية ليست بهذه البساطة التي يريد بها ترامب إنقاذ جنوده وإعادتهم إلى واشنطن والزج بقوات عربية إلى هناك.. خصوصًا بعد ما صدرت تصريحات سورية رسمية على لسان أكثر من مسئول سوري تقول: "إنهم سيتعاملونا مع أي قوات عربية تنزل سوريا على أنها قوات معادية!"
وبذلك هم حسموا الأمر مبكرا ورفعوا بطاقة حمراء في وجه أي قوات عربية تذهب الى سوريا وحولوها الى قوات معادية.
المقلق أن ما قاله بعض المسؤولين السوريين لا يعبر حقيقة عن سوريا، مقدار ما يعبر عن الرؤى الإيرانية ومعروف أن نظام الملالي الحاكم في إيران اصبحت له السطوة السياسية والعسكرية والأمنية والسيطرة على الأرض في سوريا. فإيران أنفقت خلال السنوات الماضية عشرات المليارات من الدولارات وخرج كل مسؤولوها يقولون رسميا وعلى الملأ أنه لولا وقفة إيران ومساندتها للنظام السوري ماديًا ومعنويًا وبالأسلحة لكان قد سقط بعد أقل من 6 أشهر على اندلاع الثورة السورية.
فإيران هى التي تتكلم في سوريا ولا يزال دعمها العسكري وميليشياتها بعشرات الآلاف من العناصر والمرتزقة يمرحون في سوريا.
والمعنى أن تهديد المسئولين السوريين بأنهم سيتعاملون مع أي قوات عربية تدخل سوريا على أنها قوات معادية، أى أنهم سينصبون لها الفخاخ ويهاجمونها هو تهديد إيراني وقح وفج قبل أن يكون سوريًا.
في نفس الوقت فإن أي قراءة عسكرية لإرسال قوات عربية إلى سوريا تؤكد أن هذه القوات ستكون أمام خيارين إما ان تكون في مواجهة نظام بشار الأسد والميليشيات الإيرانية وإما أن تكون في صفها وليس هناك خيار ثالث.
فهل ستذهب القوات العربية المفترضة إلى هناك، لإقصاء بشار الأسد وميليشيات إيران عن سوريا- وهذا هو المطلب الأمريكي- بعد كل ما تم من مذابح ومجازر ومأساة أم ستذهب لتعزيز سلطاتهم على الأرض السورية؟!
ثم أي مكاسب ستعود على الشعب السوري جراء هذا القرار؟
بالإضافة إلى ذلك فإن إيران التي دخلت في عداوة مع كل الدول العربية تقريبًا تنتظر هذه الفرصة على أحر من الجمر، للنيل من اي قوات عربية تدخل سوريا وتحويلها الى أفغانستان عربية فهى فرصتها للنيل من أي قوات سعودية أو اماراتية أو غيرهما ستذهب الى هناك. ووجود ايران وميليشيات حزب الله على الارض السورية منذ اكثر من 5 سنوات جعل المسرح السوري بالنسبة لهذه القوات واضح تمامًا فهى تعرف دروب سوريا وخنادقها بشكل أكبر طبعا من أي قوات عربية لا تعرف شيئًا عما يجري هناك.
أما المأساة الأكبر فهى أنه لا يجب على أي دولة عربية موافقة أمريكا على طلباتها بالذهاب إلى المحرقة السورية والدفع بقوات عربية إلى هناك.. فهى لم تعد حربًا بقدر ما أصبحت محرقة تستغل فيها الاسلحة الكيماوية والأسلحة القذرة وترتكب فيها المذابح المروعة بحق المدنيين والعسكريين على حد سواء بقلوب باردة.
لقد خرجت الحرب في سوريا عن السيطرة، ولا يجب أبدا ولا نقبل أن ننقذ قوات أمريكية بوضع قوات عربية مكانها.
والخلاصة.. إرسال قوات عربية إلى سوريا مغامرة غير مأمونة العواقب.. لتتخلص أمريكا من مشاكلها بنفسها، ولتخلصنا من المأساة السورية التي كان لأوباما دور كبير فيما وصلت إليه من تردٍ وانحدار.