الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هدهد سليمان


كلما التقيته أجد نفس الابتسامة مرسومة على وجهه وكأنها نحتت على شفتيه وكأن فمه لا يعرف غيرها .سنين طوال أدوام فيهم على الاحتفاظ بصداقته مهما تباعدت فترات لقائنا، ومهما كانت الأزمات التى يمر بها؛ إلا أنه لا ينسى أبدا أن يواظب على التبسم والابتسام وكأنه يقول لنا لا تنزعجوا مما ألم بى فأنا راض وسعيد ..

ومنذ فترة ليست بالبعيدة فتحت هاتفى وجدت رسالة منه يطلب فيها أن يرانى فى اقرب فرصة ان لم يكن الآن،ومع هذه الرسالة أرسل وجه يتبسم .حاولت أن أهاتفه وقتها ولكن لم يرد ولا أدرى السبب ، وعندما حل الصباح ذهبت اليه فى منزله الذى لم يغادره منذ ايام الشباب فى حى الجمالية فى بيت عتيق موروث من أبيه لجده .

صعدت درجات سلالم تئن من كثرة الأقدام وقسوتها حتى وصلت الى شقته التى احتفظ بمفتاحها منذ أيام الجامعة ودخلت عليه ووجدت كل شىء كما هو منذ لقاءاتنا الكثيرة التى لم تنقطع طوال فترة وجوده فى بلده وبلدى مصر ..على سرير متهالك جلس هو وافزعني ما بدا عليه من وهن ووجه شاحب الا ان الابتسامة تسكن على شفتيه كما هى وكأنها ترفض الاعتراف بمرضه وتؤكد له ولنا انها لن تفارقه أبدا وستظل معه حتى ان فارقته عافيته .

لم أسأله عما أصابه وأخفيت فزعى بل اننى اكدت له انه فى ابهى صوره وأحسن أحواله ، ولم يجادلنى ولم يعقب ولكنه طلب منى أن استمع لما سيقوله لى وقد كان ..الكل كان يسأل عن سر ابتسامتى وانا سأحكى لك هذا السر ولكنى قبلها سأسألك هل تعرف قصة هدهد سليمان ؟ ولم ينتظر صديقى اجابتى بل استكمل حكايته وقال أنا هدهد سليمان ،فقد كنت كما تعلم من اعطم علماء الجيولوجيا والكل كان يدور فى فلكى ويشهد لى بالمستقبل الباهر وكانت احلامى هى جناحا عمرى ومجداف عزائمي، كنت أخطط لحياة جميلة وعالم اخترقه اختراقا وشهادات اسطر فيها المزيد من النجاحات وسفريات اجوب بها العالم واجبره جبرا على معرفة جنسيتي والتغنى معى بنشيد بلدى والانحناء فخرا أمام علم مصر .

كل هذا الأمل وهذه الآمال كانت هى كل ما لدي ولم يكن قلبى يحمل سوى الحب للبشرية كلها ،ولكن رياح نجاحى ارتطمت بكراهية شياطين الإنس وكبيرهم رئيسى فى العمل الذى شعر ان نجاحى سيعطل سعيه نحو التملق والحصول على مزيد من درجات سلم النفاق الوظيفى ، فدبر لى وخطط بليل وجعل منى هدهد سليمان.

وتوقف عن الحديث ونفس الابتسامة لاتزال ترافق وجهه وقال وهو يبكى : يقال ان سيدنا سليمان عليه السلام كان لديه هدهد شقى لا يمتثل لاوامره ويفعل عكس مايأمره ،وفى يوم فاض الكيل بنبينا سليمان فقال لهدهده :ان لم تمتثل لاوامرى لافعلن فيك ما مصابه يفوق الموت ..فتعجب قوم سليمان وسألوه ماذا بعد الموت ؟وهل هناك اكثر من ان تذبحه فيموت ؟ فرد سليمان وقال نعم اضعه وسط قوم لا يعرفون قيمته..
وانهى صديقى كلامه وانتهت حياته وابتسامته على وجهه ترفض ان تتركه حيا وميتا ..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط