قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

كردستان الجديدة

×

لفترة ليست بالقصيرة لم أكتب عن الأوضاع بإقليم كردستان العراق، خاصة بعد تطورات الأحداث ما بعد الاستفتاء وما تبعه من إجراءات وقرارات لعقاب الشعب الكردي بالإقليم على رغبته فى تقرير مصيره والبحث عن حقه شأنه فى ذلك شأن أى شعب على وجه المعمورة. كنت أتابع عن بعد، وأترقب من خلف الستار ردة الفعل الكردستانية على تلك الإجراءات الظالمة والتعسفية من حكومة بغداد ودول الجوار.

كانت الموجة عالية ولم يكن من الفطنة مواجهتها وهو أفضل ما فعله ساسة الإقليم، فمع تصاعد الإجراءات العقابية وتعالي النبرة العدائية تجاه كرد العراق سواء داخل حكومة بغداد أو بحكومات طهران وأنقرة تعاملت قيادات كردستان بعقل وحكمة ربما منعت حدوث تداعيات أسوء مما حدث، نجح ساسة كردستان فى امتصاص صدمة إفشال الاستفتاء والتزموا أعلى درجات الثبات الانفعالي ملتحفين بالصمت الإيجابي والتحرك بعيدا عن الأضواء وتجنب أى رد فعل سلبي قد يزيد الأوضاع سوءا.

ومثلت التحركات والزيارات الدولية والإقليمية التي قام بها رئيس وزراء كردستان السيد نيجرفان برزاني عاملا قويا فى تلافي تداعيات ما بعد الاستفتاء، ونجح السياسي الوسيم سواء من خلال لقاءته بالرئيس الفرنسي بباريس أو زيارته لطهران وأنقرة ثم بغداد فى تخفيف قبضة الحصار المفروضة على الإقليم قبل أن ينجح فى إلغائها تماما وهو ما جسده قرار حكومة بغداد برفع الحصار الجوي على مطارات كردستان، واستمرت سياسة نيجرفان الناجحة ودبلوماسيته الناعمة فى استعادة مكتسبات الإقليم التي فقدها عقب الاستفتاء وهو ما دفع حكومة بغداد لصرف مرتبات موظفي الإقليم التي تم وقفها.

أعتقد أن الواقعية هي أهم ما ميز سياسة قادة إقليم كردستان بعد الاستفتاء؛ تلك الواقعية التي غابت كثيرا خلال فترة الترويج للاستفتاء والدفاع عن حق الكرد فى تقرير مصيرهم، ونجحت تلك السياسة العملية فى تخطي تداعيات سياسة "الحق المشروع" والحلم الذي تحول لكوابيس ضربت شعب كردستان بأكمله. لم ألتق بالسيد نيجرفان من قبل ولم أتطرق له فى أي من كتاباتي حول القضية الكردية ولكنى كنت أراه مثالا ناجحا لمستقبل الإقليم وقياداته، خاصة بعد رفض السيد مسعود بارزاني الزعيم التاريخي للحزب الديمقراطي الترشح لفترة جديدة.

التقيت بالصدفة بأحد الخبراء العراقيين الذي يدير أحد مراكز الدراسات والأبحاث ببغداد تطرق الحوار لقضايا كردستان والأكراد والوضع بعد الاستفتاء، اعتبر فى حديثه أن السيد نيجرفان يمثل أول نتاج شرقي لظاهرة الزعماء الشباب المنتشرة بالعالم، فهو امتداد لعائلة البرزاني بتاريخها النضالي لكنه بنزعة شبابية تتواءم مع التحول العالمي للزعامات الشابة كما يبدو واضحا فى دول مثل فرنسا وكندا وأستراليا وبقية الدولة الأخرى.

قال لي صديقي العراقي إن نيجرفان مفاوض من الطراز الأول ولديه مرونة عالية المستوى لتفاوض وإدارة الأزمات، ولديه نوع من الكاريزما تفوق كل التصورات ومهما يكون خلافك معه لما تجلس أو تتحاور معه لا تخرج إلا راضيا "بنص كلامه".

بالتأكيد إن صديقي العراقي أكثر إلماما مني بواقع بلاده ولكن كلماته عبرت عما تصورته حيال الرجل وما تمنيته للإقليم من قيادة شابة تصنع كردستان الجديدة متجاوزة آثار 25 سبتمبر 2017 مع تأكيدنا على حق الكرد فى تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم، ولكن ربما الأمر لم يكن بالتخطيط الجيد أو الاستعداد لتبعاته.