تعد الدولة المدنية أحدث نظام لحكم دول العالم فالمدنية تعنى أن الدولة ملك لكل أبنائها متساوون فى الحقوق والواجبات على اختلاف أعراقهم ودياناتهم ومعتقداتهم طالما يحملون جنسية ذلك البلد , المدنية تعنى احترام الدستور والقوانين الذى يضمن الحرية والنظام ويدعم النظام الذى اختاره الشعب.
لكن بالرغم من أن الدستور والقانون الذى يحكم الدولة المدنية يضمن أن يعطيها الحرية والنظام قد يكون بعض من أجزاء تلك الوثيقة القانونية التى تحكم الدولة وتظل ميثاق العهد بين الدولة والشعب مُعطلا ومعُيقًا مكبلا الدولة ومثقلا على كاهلها وذلك لأن المشرع فى خمسينات الألفية الأولى ليس هو نفس المواطن الذى يحيا فى الألفية الثانية وعندما بدأ تاريخ التشريع فى الدولة المدنية لم يضمن المشرع لنا حق التجديد طبقًا للزمان والمناخ أو التعديل فبات العجز عن تنقيح بعض القوانين المعطلة هو أحد كوابيس الدولة المدنية.
يأتى فى المقام الثانى التنقية ومعايير الاختيار فى المناصب الادارية خصوصًا بعد خروج الجماعة الآثمة من المشهد السياسى وإقصاء أى فرد ينتمى لجماعة أو تيار تكفيرى يبيح دماء المصريين ولعل أحد النقاط المحمودة للقيادة السياسية العظيمة المصرية هو عدم التذبذب فى المصالحة مع تلك التيارات لأن أى صفقة تتم مع أى تيار يبيح دماء المصريين وقوات الجيش ما هو إلا خيانة عظمى فى حق الوطن ولكن فى نفس ذات الوقت لا يكون ذلك المعيار الوحيد فى اختيار القيادات فلنجعله المعيار الأولى , فمن الطبيعى مثلا إقصاء رئيس جامعة ينتمى لتيار تكفيرى فاذ حدث هذا فلا نسأل عن الأجيال التى ستخرج من تحت قبضة يده !! ولكن فى نفس الوقت يجب أن يأتى فى المقام الثانى معيار الكفاءة أيضًا فلا يكفى لمن يتربع على عرش منصب قيادى فى الدولة المصرية ألا يكون منتميًا لتيار تكفيرى ولكن أيضًا أن يكون على قدر كبير من الأمانة والنزاهة فالفساد ذراع من أذرع التيارات التكفيرية , فهما وجهان لعملة واحدة , وتقوم الرقابة الادارية بمجهود مستمر لتطبيق ذلك على قدم وساق.
أما عن الكابوس الثالث وهو تحريف دور المؤسسات أو ضبابية أدوارها فى بعض الأحيان فعندما تفشل مؤسسة ما فى دولة ما فى دورها تظهر مؤسسة بشكل غير قانونى موازية لها لتقوم بدورها وكأن دولة موازية تسير بالتوازى مع الدولة الحقيقية مما يؤدى لانشقاق الدولة فإذا فشلت الصحة مثلا فى توفير مستوى صحى معقول لكل المواطنين وقع الشعب تحت قبضة القطاع الخاص من الصحة وتحت سيطرته مما يزيده من الغطرسة هكذا الأسواق والسلع الأساسية اذا ما لبت السوق المصرية الحكومية مستوى معين من متطلبات المواطن وقع الشعب تحت وطأة التجار وأسواق لرجال أعمال على شتى مرجعيتهم السياسية وتحكموا فى متطلبات السوق وتشكيل السوق المصرية على هواهم السياسي ليس فى السلع الغذائية فقط ولكن كل أنواع السلع حتى فى مجال التعليم و الجامعات ففى نفس الوقت الذى أقيمت فيه الأكاديمية الوطنية للشباب تقدم للشباب برامج تأهيل وتدريب مختلفة صرح الرئيس بضرورة توأمة الجامعات المصرية مع أول خمسين جامعة عالمية.
فكما لا يمكن أن تكون حماية الوطن سوى قوات الجيش والشرطة الوطنية هكذا لا يمكن أن تنشأ أى مؤسسة موازية أو مماثلة لأى مؤسسة وطنية حكومية مصرية تشكل أى تضارب فى المصالح أو تمس سيادة الدولة وقوتها فمؤسسات الوطن فى تكامل وليس توازى وهذه هى الدولة المدنية الحقيقية.