خرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مسيرات ضخمة ليحيوا الذكرى الـ 42 ليوم الأرض بمسيرات حاشدة للعودة. تظاهروا خلالها على حدود قطاع غزة للتنديد بممارسات الاحتلال الإسرائيلي البشعة. وعمليات الاستيطان التي تلتهم الأرض الفلسطينية والأهم تذكير العالم كله بالقضية الخالدة.
والحقيقة أن "مسيرات العودة" لهذا العام، لم تكن مثل مسيرات كل عام مجرد تظاهرات ضخمة تجوب قطاع غزة ولكنها كانت ذات رسائل متبادلة على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي معًا.
فعلى الجانب الفلسطيني خرج "أصحاب الأرض"، حتى ولو كانت مظاهراتهم منتظمة من خلال حركتي حماس والجهاد – ليقولوا للعالم كله أنهم موجودين.
وأن ما يتردد من سيناريوهات تُطبخ في الظلام وتحت عين الإدارة الأمريكية فيما يعرف بصفقة القرن.
لن ترضيهم ولن تملأ عيونهم.
"فقضيتهم هى أرضهم".. وفلسطين باقية في القلب والجسد.
وعليه كان لابد من الخروج في هذا التوقيت لتصل الرسالة واضحة بأن الفلسطينيين لن يقبلوا بصفقة القرن ولن يقبلوا "صفقة بتوقيع نتنياهو".
وانهم رافضين كذلك، لمشاريع التسوية البغيضة المفروضة عليهم منذ عام 1991.
خصوصا وأنها ليست مفاوضات سياسية كما هو المعتاد تقوم بها أطرافًا تمتلك كل منها أوراق ضغط.
ولكنها قصة هزلية التنازلات السياسية بدأها عرفات ووصلت الى أبو مازن، وكلاهما لم يأخذ شيء من إسرائيل!
أما على الجانب الآخر فقد استعدت اسرائيل جيدا لمسيرات العودة، وجاءت التهديدات واضحة باستخدام القوة ضد "مسيرات العودة" من جانب وزير الدفاع الاسرائيلي ليبرمان والذي غرّد بالعربية محذرًا الفلسطينيين من التظاهر ومطالبًا إياهم بمواصلة حياتهم العادية والطبيعية، فحركة حماس تقامر بحياتهم-حسب تهديداته-
وعليه جاء الرد من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي عنيفًا للغاية وسقط خلال التظاهرات وفي يوم واحد 15 شهيدًا فلسطينيًا ونحو 1500 جريح.
والقراءة السياسية لهذا العدد المهول من الشهداء والمصابين،هى أن اسرائيل أرادت أن ترسل رسالة قوية لا تحتمل تأويلات عدة تقول من خلالها.
لا لمسيرات العودة.. ولا للمظاهرات الفلسطينية أو لأي حديث مع الفلسطينيين أو من جانبهم عن حقوقهم.
المثير في الأمر أنه برغم أن هذه التظاهرات هى النقطة الحية الوحيدة في القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة.
وهى الصوت النابض الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة الأحداث خلال ساعات قليلة. إلا أن التعاطي الفلسطيني الرسمي معها ليس على المستوى المطلوب أبدًا.
الفلسطينيون يخرجون في تظاهرات واحتجاجات حاشدة ويضحون بحياتهم من أجل التنبيه لقضيتهم.
ثم تأتي القيادة الفلسطينية تضيع كل هذه الجهود ولا تعرف كيف تستغلها سياسيًا سواء على مستوى المنظمات الدولية أو مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية.
أو تطرح من خلالها رؤى واقعية تثير العالم من جديد وتجذبه للقضية الفلسطينية.
فهى لا تفعل هذا ولا ذاك، لكنها تخرج بهم من الدم للوهم، ومن التضحية والنضال ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى عبث الخلاف مع حركة حماس وكلاهما من نفس الطاجن الملوث!
ورأينا الواضح أن كلا من حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية لا يمثلان القضية الفلسطينية الآن. وكلاهما فقدا المصداقية داخل الصفوف الفلسطينية.
وأصبحت خلافاتهما فقط حول من يمسك بالسلطات المحلية؟ ومن يحصل على المعونات من الخارج؟ ومن يستجيب لأجندات القوى الضاغطة والجاذبة لكليهما.
إن "مسيرات العودة"، نقطة مضيئة على ساسة فلسطين أن يستغلونها ليعلنوا وفاة "صفقة القرن"، ليعلنوا بداية جديدة للقضية الفلسطينية تدخل من خلالها مسارات جادة للانتهاء من قضايا الحل النهائي وبالتحديد قضايا اللاجئين والحدود والقدس والعودة.