أزمة أوبر وكريم

مما لا شك فيه أنه لا يجوز التعقيب على أحكام القضاء، فالقاضي تحكمه قوانين ملزمة حتى يستطيع الفصل في القضايا المعروضة عليه، ومن جانب آخر الحجة التي قدمها الخصوم في تلك القضية حجة سليمة وحقيقية لا يمكن أن نغلق أعيننا عنها أو نتجاهلها، ولكن المشكلة الحقيقية هي النجاح المؤكد الذي حققته كل من شركة "كريم" و"أوبر" في حل أزمات كثيرة للشعب المصري في الآونة الأخيرة.
نجاح المشروع في جعل العديد من المصريين يضعون ثقة كبيرة في كل من الشركتين لتوصيل أبنائهم أو بناتهم بطريقة آمنة عكس ما كان يحدث عند استخدام عربات التاكسي التقليدية، حيث إن نظام التعامل مع تلك الشركات آمن بدرجة كبيرة لحصول الراكب على بيانات السائق والسيارة قبل استعمالها، ما يعطي الثقة للراكب في قدر الأمان الذي يحققه هذا المشروع أثناء عملية نقل الركاب.
من جانب آخر، سهَّل هذا المشروع توفير العديد من فرص العمل لكثير من الشباب من أصحاب السيارات والعاملين بمرتبات قليلة لتوفر لهم الدخل الذي يصلح لتأمين حياة كريمة معتدلة، استطاعت تلك الشركات إزالة العديد من العقبات لتسهيل الحياة وخلق فرص عمل حقيقية وبدخل مرضٍ، ولكن هل تشفع لهم تلك النجاحات أمام القضاء وأمام الدولة للتغاضي عن الصورة غير القانونية التي تعمل بها؟
من جانب آخر، لا نستطيع لوم الخصوم لأن هذا الفكر الحديث لتوصيل الركاب أثر بالفعل تأثيرًا حقيقيًا علي مشروع التاكسي التقليدي الذي يعمل به العديد من المواطنين وفقًا لشروط وضعتها الدولة من تراخيص ورسوم وغيرها من اشتراطات يضطر السائق للالتزام بها حتى يستطيع العمل بتلك المهنة، وجاء كل من مشروع "أوبر" و"كريم" و"حالًا" الذي يستخدم التوك توك والدراجات النارية لتوصيل المواطنين مقابل أجر في المناطق الشعبية ليخطف الأنظار ويكسب ثقة المواطنين لاستخدامه على حساب وسائل المواصلات ذات التراخيص المشروعة.
نحن جميعا كمواطنين لا نقف ضد النجاح ولا ضد الفكر الحديث المتطور ولكن يجب أن يكون بشكل مشروع لا يضيع حقوق الآخرين، فليس من العدل أن يتكفل سائق التاكسي التقليدي بسداد رسوم وضرائب نظير توصيل المواطنين، ولا يتم التعامل بالمثل مع أمثال شركات "أوبر" و"كريم" و"حالًا"، ومن جانب آخر يجب تقنين التعامل مع التوك توك في المناطق الشعبية والذي يعمل بدون تراخيص أو لوحات رقمية ورخص للسائقين تؤمن الراكب ضد أعمال البلطجة من سرقة وخطف وغيرها.
على الدولة إيجاد حلول حقيقية تسمح بأمثال تلك المشاريع للعمل بصورة شرعية لا تضر بحقوق الآخرين وفي نفس الوقت تعطي الدولة حقها، حتى لا يشعر أحد بالظلم، مهما كانت حاجة الناس لبقاء ذلك المشروع، والذي سوف يؤثر توقفه على العديد من المواطنين بصورة سلبية في العديد من القطاعات التي نظمت حياتها بالاعتماد على وجود تلك المشروعات، وعلى الجميع احترام حكم القضاء الإداري المبني على قوانين محسومة، كل ما علينا الآن أن نطالب الدولة بحل تلك الأزمة المفاجئة والتي يعود عليها اللوم منذ البداية، لأنها تركت الفرصة للمشروع أن ينجح وهي على علم بعدم مشروعيته القانونية وبمدى تأثيره على سائقي وملاك التاكسي التقليدي حتى اضطر بعض هؤلاء للجوء إلى القضاء، وتسببت في حالة التأزم التي حدثت الآن بعد صدور الحكم القضائي.
نطالب السيد رئيس الوزراء بدراسة الموضوع بشكل إيجابي وسليم لتقنين الوضع واستمراره بصورة شرعية سليمة وتحسين حال سائقي التاكسي التقليدي وإرضاء المواطنين الذين سوف تتأثر حياتهم اليومية بشكل كبير بعد صدور قرار إيقاف تلك الشركات، كما يجب الالتفات لأمثال تلك المشروعات في جميع المجالات والتي تعمل بصورة غير شرعية حتى لا يصل الحال معهم كما حدث مع هؤلاء، لماذا دائمًا نتنبه للأزمة بعد تفاقمها ولا نتنبه لها منذ البداية حتى لا يصيب الضرر مشاريع حقيقية وناجحة، هل من الطبيعي أن نقضي على نجاح ملموس أم نحاول أن نضع له صفة شرعية معقولة.