ماذا يجري في السعودية؟ وماذا يحدث هناك بالضبط؟ ما هى دوافع وملامح التغيير الذي يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؟ وما تداعيات ذلك على الرياض؟
أسئلة كثيرة ومدوية، تصاحب تحركات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أينما حل أو ارتحل.
والسبب أن عمليات التغيير والتحولات الكبرى، التي يقودها داخل المملكة تثير دهشة الكثيرين واستغرابهم لعدم معرفة دوافع وملامح وتداعيات هذه الأعمال الضخمة.
الحقيقة انه لايمكن معرفة سر التحولات والتغييرات الكبري، التي تحدث بالسعودية دون معرفة الأخطار التي تواجه المملكة وحجم التحديات التي وجد "بن سلمان" نفسه فيها بمجرد تولي منصبه الجديد.
الواقع أن 8 سنوات مضت من حكم الرئس الأمريكي السابق باراك اوباما وقبل نحو عام كامل من تولي الرئيس ترامب مقاليد الحكم. كان لها فعل السوء، وتأثير الضرر الشديد على المملكة.
لأن قوة الولايات المتحدة الأمريكية لا تخصها وحدها. ولكن تخص الدول التي تتواجد في محيط المصالح الأمريكية العليا.
ولأن السعودية باعتبارها الدولة النفطية الأولى في العالم، ومركز العالم الإسلامي بسبب وجود الحرمين الشريفين.
فإن سوء إدارة أوباما في التصرف داخل المنطقة خلال ال 8 سنوات الماضية وقبل تولي ترامب كان له أبلغ الضرر على السعودية.
لأن أوباما ومن فرط سذاجة سياسة أمريكية، اخترعها تقوم على النأي بالنفس تجاه إيران سمح لنظام الملالي الحاكم في طهران، بالتمدد والتوسع وتشكيل الميليشيات.
الوحش الإيراني
هنا ظهر الخطر الإيراني كوحش تمدد في الظلام ليظهر مرة واحدة مساندًا وبقوة للميليشيات المسلحة في اليمن، ومساندًا وبقوة للميليشات المسلحة في لبنان ممثلة في حزب الله. ويظهر وبقوة مساندًا للميليشيات الشيعية في العراق ممثلة في عناصر الحشد الشعبي وكلها وبتوجيه من الملالي اعتبرت السعودية ذات المذهب السني عدوة لها. وبدأت في استهدافها والتحرك ضدها وخرجت التصريحات تلو التصريحات من قادة هذه الميليشيات باتجاه السعودية .
فوجدت الرياض نفسها وسط طوفان من الميليشيات شمالًا وجنوبًا وأمام "وحش فارسي" يطل عليها من جهة الشرق وهو الملالي. ولا يتورع على الدخول والتغلغل في البحرين وسلطنة عمان، ويسيطر على قرار قطر في اتجاه حصاره أو رغبته بالأحرى في الانقضاض على السعودية .
لأن إيران لو هزمت السعودية، تكون قد هزمت الاسلام السنّي وقطعت شوطا هائلًا في طريق تصدير ثورتها المذهبية الشيعية للخارج.
كما أنها لو – لا قدر الله - اخترقت السعودية بميليشيات أو تنظيمات موالية لها، كما حدث في العراق فإنها ستكون سيطرت على منطقة الخليج العربي برمتها!
هنا وجدت القيادة السعودية الجديدة، ممثلة في الأمير محمد بن سلمان نفسها فجأة في "دائرة النار"، بسبب سنوات وسنوات مرت في الظلام دون أن يحس أحد بالخطر الإيراني.
فما هو الحل؟
وما هى التحركات التي يجب على السعودية القيام بها حفاظا على المملكة؟ وعلى الوطن السعودي وجزء غال وعزيز ومقدس من الأمة العربية والإسلامية؟
المواجهة
هنا لم يكن أمام "بن سلمان"، سوى المواجهة فخرج في تصريحات مباشرة، ليقول إن إيران عدو للسعودية وإنه لا حوار معها حتى تتراجع عن استراتيجيتها.
وأن الحرب ستكون داخل إيران وليس خارجها.
فهو يحاول أن يدرأ خطر غزو فارسي لعين، ينتشر كالسرطان في الدول المجاورة للمملكة ويكاد يلتهمها في حال أحس بالضعف منها.
فكانت إيران في مقدمة أولويات الأمير محمد بن سلمان لأنها الخطر العاجل والملح.
وتبعتها قطر، فلا يمكن الفصل بين الدوليتن ولا بين السياستين. فهناك حماية إيرانية لقطر وخصوصا بعد اعلان دول الرباعي العربي مقاطعتها. وهناك استخدام قطري لقادة الميليشيات والتنظيمات الإرهابية والمتشددة الموجودة على أرضها وفي مقدمتهم قادة القاعدة وعناصر داعش والإخوان المسلمين.
وزاد الطين بلة أن قطر ومن موقف متأرجح، لم تتجاوب مع الإحساس السعودي بالخطر، وكانت ترى أنه يمكنها البقاء في الوسط بين إيران والسعودية
لكنه ليس "وقت الوسط" على الاطلاق، فجاءت الضربة فوق رأس قطر من السعودية ودول الرباعي العربي حتى تقطع تماما الجسر الواصل بين قطر وإيران من ناحية ودول مجلس التعاون الخليجي من ناحية أخرى.
كما أن التصرفات القطرية والسياسة القطرية المتماهية مع إيران، بدأت تُقلق مختلف دول مجلس التعاون الخليجي.
فقطر إما دولة عربية خليجية أو مستعمرة إيرانية ضمن باقي الكيانات التي تحوزها طهران وتتصرف فيها.
وهنا اختارت السلطة الحاكمة في الدوحة الحضن الإيراني الإرهابي المذهبي الشيعي- بحسب وصف العالم كله- فكان ما كان.
فبداية التحولات السعودية الكبرى الراهنة، جاءت من فرط الحرب الشرسة التي وجدت السعودية نفسها بداخلها فجأة.
فقد فُرض عليها التدخل في اليمن، وإلا فإنه الطريق الإيراني الأقرب الى الموانىء السعودية في الجنوب، وفُرض على السعودية أن تعلن معارضتها تشكيل ميليشيات عراقية، وعصابات تأتمر بأمر إيران في العراق ، كما فُرض عليها أن تقف لليد الإيرانية المذهبية في لبنان وتنتقد دور حزب الله فالميليشيا "لبنانية الموطن ولكنها إيرانية التوجه".
وهذه الاجواء ما فرضت على "محمد بن سلمان" إتباع سياسة جديدة واتخاذ قرارات صارمة.
فهى الحرب ولا شىء غيرها لذلك خرج يقول بوضوح، إنه لو امتلكت إيران القنبلة النووية الإيرانية فستسارع الرياض لامتلاك قنبلة نووية في أسرع وقت .
كما خرج ليصف في وضوح تام المرشد الإيراني الأعلي آية الله علي خامنئي، بأنه "هتلر الجديد" وأن له "مشروع توسعي" يسعى لتحقيقه في المنطقة، لكن السعودية لن تسمح به.
وهنا أيضا جاءت تصريحات بن سلمان وشرحه المفسر" للسعودية الجديدة" القادمة التي تنتصر على "التقليدية" وتتقدم للأمام عبر استراتيجية 2030، وعين الرياض على أن تنوع اقتصادها بحيث لايكون الاعتماد الرئيسي على النفط.
وأن تطور تعليمها وتتصدى بقوة لما وصفه محمد بن سلمان، بالغزو الإخواني للمدارس السعودية، وقوله إنه لا توجد دولة في العالم تقبل بغزو تعليمي لمناهجها، وستنجح السعودية قريبًا جدًا في إنهاء السيطرة الإخوانية على المدارس السعودية.
كما جاء انفتاح "بن سلمان"، كذلك على باب الثقافة والسينما الواسع فبدأت الخطى السعودية تتسارع لتحرير المرأة السعودية من بعض موروثاتها القديمة، ولإدخال المملكة القرن الـ 21 بكل قوة.
فالسعودية الجديدة، على يد الأمير بن سلمان ولي العهد السعودي حددت الأخطار الجسيمة التي تواجهها، في خطرين رئيسيين هما إيران الفارسية والفكر المتطرف المتشعب في جنبات المملكة.
إنها تحولات ورياح عاتية تقوم بها القيادة السعودية الجديدة، والعالم يقف للحظة مذهولًا مما يتم وما تسعى له الرياض ولا أحد حتى الآن يصدق.
وهو ما سيحتاج الى وقفة جديدة.. ومقاربة أوسع.