لا يمكن النظر في قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإقالة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وتعيين مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مكانه في إطار أنه تغيير رجل بآخر داخل الإدارة الأمريكية.
لا.. الأمر أكبر من ذلك بكثير.
إنه -بالأحرى- استبدال سياسة أمريكية أكثر فاعلية في التعاطي مع المطالب الأمريكية الملحة في منطقة الشرق الأوسط، ومع الأهداف العليا التي وضعها ترامب لإدارته منذ مجيئه بأخرى كانت موجودة.
الواقع أن إقالة تيلرسون بمثابة انقلاب جذري في السياسة الخارجية الأمريكية طوال الشهور الماضية، وخاصة في ملفين شديدي الخطورة يهمان المنطقة برمتها.
الملف الأول يتعلق بالأزمة الخليجية وإعلان دول الرباعي العربي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) مقاطعتها رسميًا لقطر بسبب دعمها للإرهاب والوقوف وراء تنظيمات إرهابية والتدخل في شؤون الدول الأربع بسياسات شتى، وهي الأزمة المنصوبة في المنطقة منذ شهر يونيو 2017 الماضي.
وكان ريكس تيلرسون -وعلى عكس الموقف المعلن للرئيس الأمريكي، ترامب- يتبنى ما يسميه بـ"فتح جبهة للحوار" بين الدوحة من جهة، ودول الرباعي العربي من جهة أخرى.
وقد حاول ذلك بالفعل قبل قرابة شهرين، ولكن جولته قوبلت بالفشل الشديد لأن دول الرباعي العربي كلها على رأي واحد، وهو أنه لا حوار مع قطر قبل أن تعلن تنازلًا رسميًا عن سياستها الداعمة للإرهاب والتنظيمات المتطرفة.
لكن تيلرسون -وانطلاقًا من رؤية ضيقة- كان يتصور أن بإمكانه تحقيق خرق في هذا الاتجاه، على الرغم من أن تصريحات الرئيس ترامب حتى اللحظة الأخيرة تطالب الدوحة علانية بالتخلي عن سياسات إرهابية تثير قلق جيرانها.
فتيلرسون اصطدم بترامب في الأزمة الخليجية، وحاول أن يشق طريقًا منفردًا لنفسه، ولم يفهم أنه لا يمكن القفز فوق الحقائق بهذه السهولة.
فقطر متهمة اتهامات علنية بدعم الإرهاب من قِبل دول عربية رئيسية، ولا يمكن الرضوخ لرأيها هكذا بسهولة وفتح حوار معها لتبدو أمام العالم منتصرة.
فخروج تيلرسون من الإدارة الأمريكية ضربة لكل دعاوى الحوار مع قطر في البيت الأبيض.
أما الملف الثاني -الذي تنطوي عليه إقالة ريكس تيلرسون وتعيين بومبيو مكانه- فيتمثل في العلاقة مع إيران والنظر لنظام الملالي الحاكم في طهران.
وطوال الشهور الماضية، وخلال لقاء بين تيلرسون ومحمد جواد ظريف (وزير خارجية إيران) في نيويورك، قال تيلرسون في تصريحات "نشاز" من جانب الإدارة الأمريكية: "إن الاتفاق النووي مع إيران قضية صغيرة في العلاقات (الأمريكية – الإيرانية)"، مؤكدًا أن الحوار الذي جمعه بظريف كان وديًا للغاية.
بالطبع هذه لم تكن أبدًا سياسة ترامب تجاه إيران، فترامب يعتبر الاتفاق النووي هو أسوأ اتفاق وقع في التاريخ، وأنه سمح لإيران بالإفراج عن احتياطاتها المالية وذهاب الاستثمارت الأجنبية إليها دون أن يقيد أنشطتها الصاروخية والنووية.
وعليه جاء قراره بإقالة تيلرسون لينهي وجود أي ضلع سياسي كبير داخل الإدارة الأمريكية مؤيد للملالي أو على استعداد للحوار معه.
ويأتي تعيين مايك بومبيو (مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية) في منصب وزير الخارجية ليخلق ثوابت جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية وفي المنطقة، خصوصًا أن بومبيو على عداء واضح مع نظام الملالي الحاكم في طهران، ويعتبر إيران الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم.
وعليه فإن تعيينه في منصب وزير الخارجية بداية لسياسة "خارجية نارية" ضد النظام الإيراني، وخلق لحالة من الحشد العالمي ضد طهران.
فـ"بومبيو" سيعمل على خلق تكتل عالمي لمواجهة الملالي، وسيعمل على تهيئة المسرح الدولي لضربة أمريكية تتزايد فرصها في الشرق الأوسط يومًا بعد يوم، مع إصرار خامنئي (المرشد الإيراني الأعلى) على سياسات التمدد والهيمنة.
إن تعيين بومبيو انتصار للقوة الأمريكية في مواجهة إيران دبلوماسيًا وعسكريًا بشكل "مخيف ومختلف" عما كان في السابق.
لكن السؤال.. ما انعكاسات ذلك علينا؟
المؤكد أن المنطقة العربية -ومع إحساس خليجي بالهلع من تصرفات النظام الإيراني- ستكون محلًا لمواجهة دبلوماسية وعسكرية مع نظام الملالي.
فالولايات المتحدة الأمريكية تدافع عن مصالحها العليا في المنطقة، كما أن المجتمعات الخليجية تدافع عن وجودها بعدما استوطنت إيران كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان.
بومبيو.. نقطة فارقة في مجرى السياسة الخارجية الأمريكية، وفي مجرى المواجهة الدولية القادمة مع إيران.