الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

السيسي ينهي الحلم الإسرائيلي


في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر، شكل الرئيس جمال عبد الناصر، لجنة من كبار العسكريين و السياسيين و الخبراء ، لدراسة أسباب سهولة وسرعة احتلال إسرائيل لسيناء بعد أن استغلت قرار سحب معظم قوات الجيش المصري من سيناء لمواجهة الغزو البريطاني الفرنسي لمنطقة القناة في 29 أكتوبر 1956 انتقاما من قرار تأميم قناة السويس . 

وعاود الرئيس جمال عبد الناصر تكرار نفس السيناريو بتشكيل لجنة مماثلة ، عقب نكسة 1967 ، عندما تمكنت إسرائيل بنفس السهولة و اليسر من إحتلال سيناء من جديد ، بعد أن دمرت معظم سلاح الطيران المصري ، ليضطر أيضا عبد الناصر لاتخاذ قرار سحب الجيش المصري من سيناء لحماية مدن القناة و الحيلولة دون إحتمال زحف القوات الإسرائيلية نحو القاهرة .

وكان عبد الناصر قد حرص على ترأس كثير من أعمال اللجنة الأولى التي تشكلت في بداية 1957 ، لاتخاذ الإجراءات الكفيلة للحيلولة دون تكرار الإحتلال الإسرائيلي لهذه القطعة الغالية من أرض مصر .

ويرجع سبب إهتمام جمال عبد الناصر بأعمال هذه اللجنة ، إلى مماطلة إسرائيل في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة أرقام 2- 4 - 5- 7- 10 الصادرة في نوفمبر 1956 والتي ألزمت دول العدوان الثلاثي بالانسحاب من مصر، في وقت رضخت فيه بريطانيا وفرنسا لهذه القرارات. 

وكانت بريطانيا وفرنسا قد أتما عملية الجلاء من منطقة القناة في 23 ديسمبر 1956 في حين لم تنسحب إسرائيل من سيناء إلا في 6 إبريل 1957 أي بعد مرور أربعة أشهر على جلاء القوات الفرنسية والبريطانية.

وقد تبين لعبد الناصر، أن مماطلة إسرائيل في الانسحاب من سيناء، يعود إلى استراتيجيتها القائمة على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل تنفيذ الانسحاب. 

ويأتي على رأس هذه المكاسب ، الحصول على الاعتراف بدولة إسرائيل ، من خلال السماح لها بحرية مرور سفنها في الممرات المائية الدولية وهي قناة السويس وخليج العقبة. 

وكان عبد الناصر في ذلك الوقت، يريد الاحتفال بانتصاره على العدوان الثلاثي، وتمجيد قراره في 26 يوليو 1956 ، بتأميم شركة قناة السويس لتمويل عملية بناء السد العالي بعد أن رفض البنك الدولي تمويل بناء السد . و لكن كيف يتسنى لعبد الناصر الاحتفال بهذه الانتصارات المدوية والملاحة متوقفة في قناة السويس بسبب استمرار احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء ؟ . وكانت إسرائيل قد عملت حينذاك على التقليل من شأن ما تحقق من انتصارات، بالتفاخر بسرقة بترول حقول سدر و بلاعيم ونقله أمام أعين المصريين والعالم بالسفن إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، فضلا عن قيام قوات الإحتلال الإسرائيلي تدمير كل ما تقابله من بنية تحتية من منشآت و طرق في سيناء رغم تواضعها.

وفي واقع الأمر فإن فدائية واستبسال المقاومة الشعبية كانت البطل الحقيقي لإفشال العدوان الثلاثي على مصر، فقد هب شعب مدينة بورسعيد الباسلة للوقوف في وجه القوات البريطانية و الفرنسية التي فشلت أمام هذه المقاومة الباسلة في الوصول لمدينة الإسماعيلية لإحتلال المقر الرئيسي لشركة قناة السويس .  

وقد توجت هذه المقاومة ببطولات وانتصارات مدوية، يأتي على رأسها ، نجاح عملية أسر الضابط ، أنتوني مورهاوس، ابن عمة الملكة اليزابيث، ملكة إنجلترا ، واغتيال الميجور جون ويليامز، رئيس مخابرات القوات البريطانية في بورسعيد، فضلا عن استنزاف القوات الغازية من خلال الاستهداف اليومي لمعسكرات الجنود الفرنسيين والبريطانيين.

وتلقى الرئيس عبد الناصر النتائج النهائية لأعمال اللجنة الأولى، في أعقاب إعادة إفتتاح قناة السويس في 10 إبريل 1957، أي بعد 4 أيام من انسحاب إسرائيل النهائي من سيناء. 

وأرجعت اللجنة فشل المخطط البريطاني الفرنسي في الاستمرار في احتلال منطقة القناة من أجل تولي مهمة تسيير الملاحة الدولية في قناة السويس إلى شراسة المقاومة الشعبية الناتجة عن وجود كثافات سكانية للمصريين في هذه المنطقة ، في حين لم تجد إسرائيل أي مقاومة رغم مئات الكليومترات التي قطعتها في سيناء لعدم وجود كثافات سكانية بها .

وأوصت اللجنة ، بسرعة و ضرورة جذب و نقل جانب من الكثافات السكانية من وادي النيل إلى سيناء ، من خلال إقامة مشروعات تنموية باستغلال ما تتمتع به سيناء من ثروات طبيعية و أماكن سياحية . 

واعتبرت اللجنة أن العائق الرئيسي أمام تعمير سيناء هو انفصالها عن الوطن الأم ، بالمانع المائي ، أي قناة السويس ، و شددت على ضرورة و سرعة ربط سيناء بالوطن الأم من خلال إقامة مجموعة من الأنفاق تحت القناة بوصفها السبيل الوحيد لضمان استمرارية تنمية المشروعات في سيناء و جذب الكثافات السكانية إليها على أساس أن الكباري سيسهل تدميرها في حالة وقوع حرب جديدة مع إسرائيل.

ووجد عبد الناصر نفسه ، مجبرا على تجاهل نتائج هذه اللجنة ، لعدم امتلاكه التمويل اللازم لإقامة هذه الأنفاق في وقت كان يكرس فيه كل جهوده لملحمة بناء السد العالي ، فضلا عن انشغاله بالزعامة العربية بعد ارتفاع شعبيته في مصر و الوطن العربي في أعقاب فشل العدوان الثلاثي ثم تورطه في حرب اليمن.

وفي أعقاب نكسة 1967، لم يكن عبد الناصر بحاجة لترأس أعمال اللجنة الثانية ، فقد توصلت هذه اللجنة إلى نفس نتائج اللجنة الأولى ، و هي افتقار سيناء للكثافات السكانية وغياب التنمية من ربوعها بسبب انفصال سيناء عن الوطن الأم لعدم وجود وسائل ربط بين سيناء و بقية الأراضي المصرية.

ولم يعط الإرهاب الوقت الكاف لأنور السادات لتعمير سيناء ، فقد اغتالته يد الإرهاب في أكتوبر 1981، بعد أشهر قليلة من تحرير سيناء من المحتل الصهيوني . و انحصر اهتمام حسني مبارك طوال الثلاثين عاما على التنمية السياحية في سيناء ، خاصة في جنوب سيناء فقط ، و بالتحديد في شرم الشيخ ، دون الاهتمام بربطها بالوطن الأم، إلهم إلا من نفق الشهيد أحمد حمدي و كوبري علوي أصبح غير ذي قيمة بعد أن تمكن الإرهاب من سيناء ، لتتوقف السياحة ، المصدر الوحيد لجذب المصريين لهذه القطعة الغالية من أرض مصر.

وهب الشعب المصري في ثورة كاسحة في 30 يونيو 2013 ، مفوضا و مكلفا عبد الفتاح السيسي بإنقاذ مصر من السقوط و الإنهيار و إحباط مخططات التقسيم و التفتيت إلى دويلات على أسس دينية و عرقية و عشائرية و مذهبية . لكن هل يمكن أن تتساوى حجم التحديات التي يواجهها عبد الفتاح السيسي مع حجم التحديات التي كان يواجهها جمال عبد الناصر في خمسينات و ستينات القرن الماضي ؟ ...بالقطع لا ....فقد واجه عبد الناصر ، عدو معروف ، ظاهر للعيان ، و هو العدو الصهيوني بكل ما يحمله هذا العدو من مطامع في سيناء بما تمثله سيناء من عائق مائي يفصل سيناء عن الوطن الأم ... في حين يواجه السيسي عدوا أشد خطورة تشكل من تحالف هذا العدو الصهيوني ، مع جماعات إرهابية متأسلمة إلتقت مصالحها مع جماعات إجرامية أثرت ثراء فاحشا من تهريب المخدرات ، و السلاح ، مستغلة الفوضى التي أعقبت ثورة 25 يناير و ضعف حكم الإخوان المتأسلمين .

وكان تعمير سيناء على رأس أولويات إستراتيجية السيسي ، خاصة و أن مطامع إسرائيل في سيناء لم تعد تقتصر على إعادة الإحتلال، و لكن وصلت هذه المرة الى حد التفكير في تحويلها لوطن بديل للفلسطينيين خاصة لفلسطينيي الداخل الإسرائيلي أو كما يطلق عليهم عرب 1948 ، بعد أن أصبح تزايدهم السكاني الكبير يمثل تهديدا حقيقيا ليهودية و بقاء الدولة العبرية .

ولم يكن السيسي بحاجة لتشكيل لجنة للتعرف على سبل حماية سيناء ، فبادر بتنفيذ مشروع إزدواج قناة السويس لتحويل هذه المنطقة ذات الموقع الإستراتيجي إلى محور إقتصادي عالمي يساهم بقوة في تعمير سيناء و يجذب الكثافات السكانية الهائلة إليها من جميع ربوع مصر في حل عملي لإعادة توزيع السكان..... فقد كان عبد الناصر يحكم شعبا مكونا من 25 مليون مصري فقط و كان يتنبى رغم ذلك برنامجا لتنظيم الأسرة في حين يحكم السيسي شعبا تخطى عتبة المائة مليون مصري .

وبالتوازي مع إزدواج القناة ، التي ستضع حدا للتعامل مع هذا الشريان المائي الدولي بفكر " الكمساري " الذي يكتفي بقطع تذكرة عبور للسفن العابرة كما هو الحال منذ أن إفتتحها الخديوي إسماعيل في 1869 ، بادر السيسي بتسليح منطقة القناة و سيناء بمجموعة من الأنفاق تحت القناة كفيلة بإنهاء عزلة سيناء نهائيا عن الوطن الأم، و تسهيل تنقل المصريين و تصدير المنتجات التي ستنتجها مصانعها و مزارعها عبر مجموعة من الموانئ المتطورة على البحرين الأبيض و الأحمر .

وخلال سنوات قليلة ستجذب المشروعات الإنمائية في سيناء أكثر من 5 ملايين مصري، قادرون بتواجدهم و وطنيتهم ، على منع أي تفكير إسرائيلي في إعادة إحتلال سيناء ، فضلا عن إحباط أي مؤامرة لإيجاد وطن بديل للفلسطينيين على أرض الفيروز ، و لذلك نستطيع أن نردد جميعا بكل ثقة ....."مع السيسي لا احتلال إسرائيلي لسيناء بعد اليوم " .

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط