الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنا وشادي


أنتَ تريدُ وأنا أريدُ واللهُ يفعلُ ما يُرِيدُ، مهما وضعنا الخِطط وأحكمنا إستراتيجياتِ تنفيذِها، دُونَ إرادةِ الله الذي يُرِيدُ بِنَا ، الأحسنَ لنا ، لن نمضيَ قيدَ أنملة فيما نصبو إليه.

لأيامٍ، والفكرةِ التي كنتُ أنتوي أن أبعثرها بينَ سطوري وأتركُ لها العنانَ لتسيطرَ علي كلماتي ، حاضرة بقوةٍ، تحاصر خلايا مخي بشغبٍ، وتسألني أن تخرجَ بأدبٍ !

ولكني ألتقيته ! فكيف لفكرتي أن تُحافِظَ علي صلادتها أمامَ فكرتِه ؟ استمعت لكلماتِه البسيطةِ المنسالةِ بصدقٍ كنهرٍ جارف، فأقتلعَت كلماتي المنمقة كَلَحْنِ عازِف.

أرتدينا شخصياتنا ، وارينا عيوبنا وإنطلقنا في طريقنا، كلٌ منا جَاءَ من طريقٍ مُختَلِف ليحقق نفس الهدف ، وهو أن يُكرم في الحفل الذي أقامته مؤسسة " حلقة وصل " ، في مؤتمرها الختامي " مِصْر أولًا " ، علي ما بذله مِن جهود في العملِ المُجتمعي خلالَ العامِ المُنصرِم.

ولتِلك الدعوة زهوها ، و قادِرة أن تزرع زهورها في بساتين نفسك الخيلاء بما شُبِه إليها أنها قدمته !

ولأن الزهوَ مكيرٌ، فينسينا أن عُمرَ الزهورِ قَصيرٌ ، لكننا لا نتذكر ذَلِك إلا بعدَ خوضِ المعارك.

معركةُ الحياة نخوضها قاتلين ومقتولين ، منتصرين و مهزومين ، شاكرين و ناكرين ، إلا (هو ) الذي أختار أن يَقْتُلَ وينتَصِرَ ويُشكَر ويَشْكُر.

جمعنا المكان لبرهةٍ مِن الزمانِ ، كانت كفيلةً بأن تجعل ما مضي يختلفُ عن ما هو آت !

إنه المهندس المعماري "شادي " كما سعي لأن يكون في الحياة ، أو الدكتور "شيكو" كما سَعَت الحياة لأن يكون فيها!

مُهندس كالآلافِ مِنَ المهندسين بالرغمِ مِن تمكنُه من الأدواتِ الهندسية ، ولكنه طبيبٌ وَلَيْسَ كمثلِه طبيبٌ بالرغمِ مِن كوّنِه لا يعرف حقيقة الفرق بينَ الحقنة والسرنجة!

شاء ربُه أن يكونَ قدرُه أن يعيشَ عن قُرْبٍ معاناةَ طِفلٍ عزيزٍ علي قلبِه وهو يُحارب السرطان بكفين ضعيفين ، خاليين إلا من الدعاءِ، وبقلبٍ صغير، وَلَكِن الرجاء والأمل كانوا ملؤه بشكلٍ منقطعِ النظير.

فليحفظنا الله ويجنبنا وإياكم شر مالا نطيق شره، وَلَكِن من مِنَّا إذا كانَ مكانَ شادي فحدِّث ولا حَرج ، عن ردةِ فعلِه إزاءَ هذا المرض ، و إستخدام حقِنا الأنساني الأصيل في الصراخ والبكاء والعويل لمواجهةِ هذا الشرِ الدخيل!

ولكن شادي جمّعَ دموعه ، ولمْلَم شتات قَلْبِه وحزمَ أمرَه، وقررَ أن يغزِلَ منهما إبتسامةً كبيرةً ويضعها علي وجهِ كلِ طفل ٍ يرقد بلا حول ولا قوة علي فراش الألم، ويحتاج لأن يلمح طائر الأمل.
إنتقل من محرابِ المهندسين إلي منازِل الصديقين ، لا بثوبِ ناسِك ، إنما بثوبِ طبيب ذو وجه المُهرِج الحبيب!

لاحظ شادي فزع الأطفال من فكرة إقتراب الطبيب منهم فهذا يعني لهم المزيد من الأشعات والتحليلات المقترنة بالعذابات.

فقرر أن يحطم هذا الخوف و أخترع شخصية ( دكتور شيكو ) الدكتور المُهرِج الذي يبعَث الضحكات ويرسِم الإبتسامات علي وجهِ الأطفال وذويهم .

تعلق الأطفال بدكتور البهجة ، مهندِس السعادة المعمارية في المساحاتِ القلبيةِ المنهكةِ ، أصبح ظهوره في طرقات مستشفي ٥٧٣٥٧ هو الحل ليأخذ هذا الطفل الخائف دوائه ويخضع الآخر ويتقبل عنائه.

يمسِك بِيَدِه المرتعشة تلك اليد الصغيرة المرتعبة في أثناء جلسة الكيماوي العقيمة فيبثُ فيها بإذن ربه الآمان ، ويمسح علي الرأس الصغيرة الذي أصبحت لشعرِها حليقة فيهديها الأطمئنان بأنها في القريب سينمو الشعر فيها وستصبح أكثر كثافة من رأس "دكتور شيكو" ذو الشعر الأحمر.

الدكتور "شيكو " صانع الضحكات التي تضاهي في تأثيرها أقوي المسكنات ، إستخرج من قلبِ الوجعِ بذور الفَرَحْ ، وزرعها في أرواح بائرة بِمَا كُتب عليها ، وحائرة مِن ما ينتظرها.

تدور بِنَا تروسُ عجلةِ الحياة ، غير عابئة بمن يعاني ولا مكترثة بمن يُقاسي ، نتوحدُ معها فنصبح جزءً منها، ترسٌ حاد يدورُ في عجلةٍ بعجلة ، كاشفًا عن أنيابِه ، سرعة الدوران تجعل رؤيتنا للأمور مُعتمة لا نلحظ الدمعات ولا نقف أمام أشباح الإبتسامات.

أعلم أنه من الصعبِ علينا الرحيل من تِلْك الدوائرِ، فهي قدرُنا ولكن يمكننا أن نهربَ منها قليلًا ، الأثر الذي يصنعُه " دكتور شيكو " في ٥٧٣٥٧ يمكنك أن تصنعَ مثله ، المستشفيات في كل مكان والمرضي صغارًا وكبارًا يملأون الآسِرة البيضاء.

أقتطِع من وقتك عشر دقائق مرة في الأسبوع أو الشهر أو حتي في الدهر ! وأبحث في جيوبِك عن ثمن علبتي عصير وأذهب وأمسِك بَيْدِ طفل مريض لتشعر أنت بالأمان مِن لمسته ، كم نَحْنُ بحاجة لذلك!

"شادي "جعلَ من حياتِه وقفًا وهبَهُ للآخرين ، ألا يمكننا أن نهِبَ دقائقَ من حياتِنا لهم ؟

فالأخفاقات والإحباطات علاجها زرع الإبتسامات ، عالج الخيباتِ بالطبطباتِ، أزرع بسمة من قلبِ وجعَك ،تحصُد الراحة لقلبٍ طالما وجعَك.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط