قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

«عفروتو» وتحديث الخطاب الديني

×

كشفت وفاة "عفروتو" في قسم المقطم إثر تورطه في أنشطة تتعلق بالمخدرات، ضرورة تحديث الخطاب الديني ليتماشى مع المتغيرات والتطورات والمخاطر التي تواجه مصر في جميع مناحي الحياة.

وسواء كانت وفاة عفروتو هي نتيجة تناوله جرعة زائدة من مخدر "الأستروكس"، أو نتيجة مطاردة عنيفة من جانب شرطة مكافحة المخدرات لممارسته الاتجار بالمخدرات، فإن الشيء الذي أثار انتباهي، هو تحريض جماعة الإخوان المسلمين على أحداث الشغب التي تلت وفاة عفروتو، رغم تورط عفروتو في جريمة تعاطي مادة مخدرة تذهب العقل تماما مثلما يذهب الخمر عقل شاربه، بل إن العلم الحديث أثبت أن مضار المخدرات تتخطى بكثير مضار الخمر، لأن المخدرات تدمر خلايا المخ في أقل جرعاتها، في حين أن مضار الخمر تظهر في معظم الأحيان على من يفرط في تناوله لكونه يعمل على تدمير خلايا الكبد.

وفي جميع الأحوال، فإن أحدا من الذين تجمهروا أمام قسم المقطم، لم يتهموا رجال الشرطة بأنهم لفقوا اتهاما لعفروتو، أو ألقوا القبض عليه بسبب انتمائه لجماعة إرهابية، ولكن الجميع يعلم أن احتجاز عفروتو كان نتيجة ممارسته أنشطة غير مشروعة تتعلق بالمخدرات سواء كانت هذه الأنشطة هي التعاطي أو الاتجار، وهنا يبرز السؤال المهم؛ هل لو كان عفروتو بائعا للخمور أو شاربا لها، كان سيجد أي تعاطف سواء من جانب المتجمهرين أو من جانب جماعة الإخوان الإرهابية؟

الإجابة بكل تأكيد هي لا والسبب هو أن الخمر ورد ذكره في القرآن الكريم، في حين لم يتناول القرآن الكريم ما تسببه المخدرات من تدمير تام لمن يتناولها بصورة تتساوى وربما تزيد عن الأضرار التي تلحق بشارب الخمر، ولا غرابة في ذلك فلم يكن من الممكن أن يحذر الله في كتابه الكريم المسلمين من تناول المخدرات وهي غير معروفة للبشر وللمسلمين في هذا التوقيت خاصة لسكان الجزيرة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، مثلما لم يذكر الله الطيران كوسيلة مواصلات مهمة في كتابه الكريم بقوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر"، ولم يذكر الجو لأن الطيران لم يكن معروفا في هذا الزمن للبشر.

هنا تبرز أهمية تحديث الخطاب الديني الذي ينبغي أن يحذر المسلمين من مضار المخدرات ويحرمها كما يحرم القرآن الخمور، لكن وللأسف الشديد، لن تجد أي شيخ في أي مسجد من مساجد مصر يتناول مضار المخدرات التي تدمر عقول جانب كبير من الشباب المصري طالما أنها لم تحرم في القرآن، وقد حرصت بعد انتهاء الصلاة على توجيه هذا السؤال لشيخ المسجد الذي اعتاد صلاة الجمعة به.

وما كان يثير انتباهي في هذا الشيخ أنه كان يركز في معظم خطابه الديني خلال خطب الجمعة على جسم المرأة وضرورة إخفاء مفاتنها وعلى مدى تمتع الرجل المسلم بالحور العين في الجنة، وقد انتظرت حتى انتهت الصلاة وقلت له: "لماذا يا شيخنا لا تتناول في خطبك مضار المخدرات فهي الوباء المدمر لشبابنا وأمتنا في الوقت الحالي"، وأكدت له أن مضار المخدرات لا تقل عن مضار الخمر بل تزيد، وضربت له مثلا برئيس أمريكا دونالد ترامب، وقلت له إن دونالد ترامب يتمتع بصحة جيدة رغم تخطيه حاجز السبعين عاما رغم أنه يتناول الخمور بجرعات لا تصل إلى حد الإفراط أو الإدمان في حين أن من يتعاطى أقل القليل من المخدرات تبدو ملامحه كما لو كان كهلا تخطى التسعين عاما وهو لا يزال في ريعان الشباب.

ونزل رد هذا الشيخ علي رأسي كالصاعقة فقال لي وهو يضحك باستخفاف من حديثي: "يا سيدي إذا كانت المخدرات حلال فإحنا بنشربها وإن كانت حرام فإحنا بنحرقها".

ومن هذا المنطلق، لا يوجد وجه للاستغراب أن نجد المخدرات تباع في وضح النهار في بعض الأحياء الشعبية، وعلى قارعة الطريق، ولا أحد يقترب من بائعها، أو ممن يتناولها، لدرجة أنه في بعض الأحياء الشعبية يقولون لك إن أفضل من يبيع المخدرات في هذا الحي "المعلم أفيونة اللي بيته لازق في الجامع"، وهنا ترجع دهشتي فلو باع أي إنسان خمرا في حي شعبي من أحياء مصر الشعبية، يكون مصيره في الغالب القتل، في حين لو باع مخدرات، يكون مصيره الإشادة والتبجيل لأنه بيساعد الناس تعمل دماغ أو "التطنيش" على أقل تقدير لمن يدرك مخاطرها.

وهنا لا بد أن أرتكز على تحقيق فرنسي، أجراه أحد مراكز الأبحاث الفرنسية عن ظاهرة انتشار تعاطي المخدرات في مصر، وتوصلت إلى أن سبب تزايد أعداد من يتناولون المخدرات في مصر يعود إلى أن المخدرات لم تحرم في القرآن، أما بخصوص سهولة بيعها في الأحياء الشعبية، فقد كشفت الدراسة الفرنسية عن أن معظم تجار الخمور هم من المسيحيين، ولذلك فإن التيار الإسلامي المتشدد يستهدف في واقع الأمر المسيحيين وليس حماية صحة وحياة المصريين، والدليل على ذلك أن المخدرات تباع في الأحياء الشعبية والعشوائيات بدون أي خوف رغم تدميرها لصحة الإنسان في حين يذهب المتشددون منهم للأحياء الأكثر رقيا لقتل بائعي الخمور لأنهم أقباط.

وأخيرا فإن القلة من سكان المقطم التي تضامنت مع عفروتو، المتورط في مجال المخدرات، تجعل من الضروري بمكان تحديث الخطاب الديني ليحرم المخدرات كما يحرم الخمر في عالم يتطور بسرعة فائقة ويواجه مخاطر لم يرد ذكرها نصا في القرآن الكريم لعدم معرفة البشرية بها في هذا الزمن.