الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لقد أوشكت على الانتهاء‎


أكتب تِلْك السطور لأزِف لكم نبأً لا أدري إن كان سيسُر أو يضُر، في هذا الشأن أنتَ حُر!

مرّ يومان وبضعُ ساعاتٍ مِن العام الجديد، أي أوشَكَ العامُ على الانتهاء! حقيقةٌ مؤكدة! أنّ البدايات دائمًا مقترنة بالنهايات، وما يلبثُ الشيء أن يبدأَ حتي ينتهي.

فكلُها بضعِ أيّامٍ ونحتفلُ بعيدِ الميلادِ المجيد، ثُمَّ أيام قلائل على ثورة يناير التي أثارت القلاقِل، وبعدها بأيام عيد الحب، فيعقبُه بأسابيع عيد الأم، ثم نلونُ البيضَ ونأكل الفسيخَ، بينما نستعِد لامتحانات آخر العام بمشترياتِ رمضان، الذي نخرُج منه على فورمةِ الساحِل لنلحقَ بركَب المصيفين قبلْ موسم الحِج الذي سيأتي مع بداية الدراسة وربما يؤجل ذَلِك الدراسة يومين كاملين!

لتدخُّل فيها إجازة العِيد قبل الاستعداد لـ"الميدتيرم"، الذي يجب أن ينتهي قبل "الهالويين"، من أجل عيون أطفالنا الحلوين فهُم لمواجهةِ الشتاءِ القريب يجب أن يكونوا مطعّمِين ومستعدين، فما هي إلا أيام علي بدايةِ السنةِ الجديدة ِ2019 لا يجب أن يقضوها في فِراش المرض، وإلا أصبحت بدايتها مشؤومة!

وهو ما لا نرجوه مِن السنة العروسة التي ندعوها أن تدخُّل بقدمِها المحروسةِ، حتى "تمضي الأيام" دُونَ أن تكون منحوسة!

سيتخلل تِلْك الأحداثُ ذكرى ميلادِك، وميلادِ أحبابك، ستحضَر أيام لها ذكرى تُنعِشُكَ وأُخرى تُكَدِرَك، وبينَ هذا وهذا سيغيب عنكَ البعضِ، هؤلاء تعرفهم وأولٰئك تسمَع عنهم، تختلفُ درجاتُ القُربِ المكاني والقَلبْي لكلٍ منهم، لٰكن الغياب يتجاوز أعتابُ أي حدود لأنه يلامِس إنسانيتَك، وبالرغم من حُزنَك (ستمضي الأيام).

ربما تتأنق وتتألق وتَذْهَب لحضورِ عِدّةِ حفلاتٍ للزفافِ سترسِم فيها ابتسامة عريضة على وجهِك حتى لا يبوحُ لسانُك بما يعتمِل في قلبِك (ما بلاش!) أنت معذورٌ! لعلَك مازلت مصدومٌ بحالاتِ الطلاقِ الأخيرة والكثيرة، لأشخاصٍ سطروا بقصصِهم ملاحِمَ عِشقٍ نافَسَت الإلياذة والأوديسة في جمالِها وروعِة تفاصيلِها، وَلَكِن سلامًا على هشاشة أعمدتها! أُعبر قلقَك "فستمضي الأيام".

سيمُر العامُ بأفراحِه القليلةِ وأتراحِه الكثيرة، سنخطو فَوْقَ لحظاتِ اليأس أحيانًا، ونتعثرُ في ذيلِ الأملِ أوقاتًا، يقتُلُنا الحنين في لحظاتِ اكتمالِ القمر ونفاجأ أننا مازلنا أحياءً معَ شروقِ الشمس، سيموت فينا جُزء ولٰكِن سيحيا ألف جزء وجُزء، إيمانًا بأنّ "ستمضي الأيام".

بيدٍ سنفتح الأبواب ونستقبل صداقاتٍ جديدةً ونختبِرُ عَلاقاتٍ سعيدةً، بينما باليدِ الأخرى نوصِدُ الشبابيكَ حتى لا يُلقى إلى مسامعنا ما يقوله عنّا من يُفترَض أنهم القريبين منّا "وتمضي الأيام".

ستلهث الأيام ونحن نلهثُ وراءها على صفحاتِ التواصلِ الاجتماعي بكتابةِ دِيباجاتٍ تفرضُها دورةِ الأيامِ والحالةِ المزاجيةِ للأصدقاءِ! فنُهنِئهم" بكُل عامٍ وأنتم بخير "وننعي أحبابُهم بـ"البقاء لله" ونذكُرُ ميلادَهُم بـ"سنة حلوة يا جميل" ونواسي قلوبَهم بـ"تعيش وتفتكر" ونسعَد لنجاحاتِهم بـ"ألف مبروك" ونتعجَب لنشِد مِن أزرهِم بـ"لا حول ولا قوة إلا بالله"، ونشارِك لحظاتِهم الفارقة بأمنياتٍ صادِقة "بالتوفيقِ والسعادة"، ويُعادُ الكلام وتتكرر الكلمات وَمِن بينِها يُداهمنا الوقت "وتمضي الأيام".

لا أدري لم كُل هذا الصَخَبِ والقَلَقِ والترقُبِ المُصاحِب لكلِ عامٍ جديدٍ! فما هي في الواقِع إلا أيام تعقُبها أيام لنصل إلي أيام أُخَر.

في تِلك اللحظات، دائمًا ما يحضرني الموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب عندما كان يتعجب من تهنئة الناس لبعضهم في ذكرى انقضاء الأعوام، بالفعل إن كل سنة هي إضافة لرصيد عمرك وذنوبك، وسحب لرصيد صحتك وشبابك، فلم كل تِلْك الضجة على "مضي الأيام"!

وأتعجبُ أيضًا من كل تِلْك المشاعر والتعليقات المرتبطة بالسنة الجديدة، حتى إن أصيب أحدَ أحدُهم بالبرد فيعلِق أسباب المرض على عتبةِ السنةِ الجديدةِ التي تبدو أنها ستكون شديدة بِحَسَب ظنه.

وأتساءل: أليسَ العام الهجري عام أيضًا له كامل حيثياتِه وكينونتهِ؟ مكون مِن 12 شهرا وإن قصُرَ بعشرة أيام لا يرفع ذٰلك عنه اللقب، إنه عام كامل الأهلية، سيكون له ما له ُوعليه ما عليه! فلم نستقبله بكل هذا الكم من الترقب، اللَّهُمَّ إلا من يوم الإجازة الرسمي التي يذكرنا بها!

السنون والشهور والأسابيع ما هي إلا لتنظيم وتقسيم أيام عُمرَك، وكلها لا حولَ لها ولا قوة، فلا داعي للمبالغة في الفرح أو القلق عِنْدَا ستقبالِ إحداها، فهي لا تملك مِن أمرِك شيئًا، الأمر لصاحِب الأمر وحده، فلا تبالغ إلا في حُبِّه ولا تُعلِّق آمالِك إلا بينَ يديه، فهو صاحب تِلْك الأيام.

تُشرِق الشمس يوميًا لتعلِن عن يومٍ جديدٍ يحمِلُ فرصةً وتحدٍ بحاجةٍ إلي رغبةٍ وإرادة، فلا داعي لأن تؤجل خططك وأحلامك وآمالك للأول من يناير في كُلِّ عام!

إذا قررت اليوم فنفِذ الآن، الحياة لا تنتظر أحدًا، ولن تأتي لتطرُق بابك، اذهَب إليها واجهها وقاومها، وتسلَح بحبَها وبإيمانك بأحلامك، إنها صعبةُ المراسِ، عنيدةُ الرأسِ، لٰكنها ليست مُستحيلة، صبرُكَ قادِرٌ أن يحطِمَ صلابتها وصلفَها.

مضى قطارُ عام، وجَاءَ آخر، ذهب بعضَك معَ ما مضى، لَكِن لا يزال كُلك هُنَا، لا تجعل الانتظار على أرصفة الحياة يبدد أيامَك ويهدرها، ولا تكتفي بأنك راكب في القِطار ولا تتعلل بأنه يعرِّف طريقه مسبقًا فلن يغير وِجهتُه ولَّن يتغير قدرَك، دعوة صادقة بإمكانها أن تمحو آلامَك، ولحظة يقين قد تغير حالَك.

كُل يوم وأنتم بخير، تمنياتي لكم جميعًا بأيام سعيدة تصنع شهور لطيفة تنتِج سنوات رائعة لها ذكريات دافئة ولمسات فاتنة، وبعد الانتهاء مِن تِلْك السطور أودّ أن أؤكد عليكم أنها أوشكت على الانتهاء!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط