الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.. في رحاب جوته!


إن المواهب التي تظهر في أمة من الأمم وفي لغة من اللغات تكون سببا مباشرا في انتشار تلك اللغة وقوة هاتيك الأمة، إن هذه المواهب تمثل ما يمكن أن نطلق عليه القوى الناعمة لأية أمة من الأمم، تلك القوى التي تعود بفوائد عديدة ومختلفة لذلك الشعب الذي منحه الله من روحه الخالدة نفسا مختلفا.

إن الآثار التي تخلفها تلك المواهب، إنما تكون ميدان بحث في لغة تلك الموهبة، ذلك الذي يدفع دفعا الأجانب عن لغة تلك المواهب إلى السعي على التعرف على لغة الأثر الذي خلَّفته الموهبة الفذة، كما يدفع دفعا هؤلاء الأجانب الراغبين في التعرف على هذه الموهبة أو تلك في لغتها وبيئتها إلى أن دراسة هذه البيئة، وهو ما يكون له أكبر الأثر في نشر الثقافة وذيوع القيم التي تتحلى بها هذه الأمة وتلك البيئة وكذلك الخصائص التي تميز أمة هذه الموهبة.

في كل لغة من اللغات، وفي كل شعب من الشعوب تولد مواهب يكون لها أثر كبير - حال كانت تلك الموهبة فذة - يعود على اللغة والشعب.

تهتم الأمم اهتماما بالغا بمواهبها الفذة، حيث أنهم تلك الشموع التي تضئ ليل هذه الأمم، وهم الذين ينقلون - برقيًّ كبير - صورة رائعة عن أبناء هذا الشعب وهذه الأمة.

انتبه انتباها شديدا الحكام - الملوك والرؤساء والأمراء - إلى أهمية الموهوبين، وذلك لقدرتهم على التأثير في الناس، فحاولوا الاستفادة القصوى بهذه المواهب، لأغراض تخليدية، من ناحية، حينما تتناول تلك الموهبة الحاكم في عمل من أعمالها العظيمة، ولتسويق وترويج أعمال وأهداف الحكام لمساعدتهم على تحقيقها من ناحية ثانية.

ولم تكتف الحكام - الذين لهم طموح يتخطى بلدانهم - بالمواهب في لغتها وشعبها فحسب، بل تخطت ذلك إلى المواهب في لغات أخرى وأمم مختلفة، وأوضح مثال على ذلك لويس الرابع عشر (5 أيلول1638 - 1 أيلول 1715م). ملك فرنسا منذ 14 أيار1643م حتى وفاته - والذي عاش في عصره المسرحي الفذ موليير، حيث كان لويس الرابع عشر يغدق على الكتاب والمواهب في القارة الأوربية جميعها، حينما أوقف لهم رواتب شهرية بعد موافقة حكومات دولهم، وذلك ما يعكس بشدة أهمية الكتاب والمواهب في نظر أحد أهم ملوك أوروبا.

من بين المواهب الفذة التي تركت آثارا خالدة أثرى بها الأدب واللغة الألمانية، كما أثرى بها التراث الإنساني عامة الشاعر والأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته (بالألمانية: Johann Wolfgang von Goethe)‏ (28 أغسطس 1749 - 22 مارس 1832) وهو أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميزين، والذي ترك إرثًا أدبيًا وثقافيًا ضخمًا للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية، وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت أرفف المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من ثرواتها، وقد تنوع أدب غوته ما بين الرواية والكتابة المسرحية والشعر وأبدع في كل منهم، واهتم بالثقافة والأدب الشرقي واطلع على العديد من الكتب فكان واسع الأفق مقبلًا على العلم، متعمقًا في دراساته.

لم يكن جوته مجرد شاعر عادي يسجل خواطره وأفكاره من خلال قصائده الشعرية، وكتبه الأدبية، بل مال إلى التبحر في مختلف العلوم، فأنكب دارسًا العلوم والفنون المختلفة مثل الرياضة والرسم والشعر والموسيقى والتصوير، كما قام بدراسة النبات والطب والهندسة والحقوق والسياسة.

وعكف جوته على تعلم اللغات وساعده والده في ذلك فدرس كل من اللاتينية، اليونانية، الإيطالية، الفرنسية، الإنجليزية والعبرية، كما سعى غوته نحو التعرف على ثقافات أخرى فتعمق في الأدب الشرقي فأطلع على الأدب الصيني والفارسي والعربي، بالإضافة لتعمقه في الفكر الإسلامي، ولم يكتف غوته في مجمل اطلاعه على الثقافة العربية على الشعر العربي فقط بل أطلع على كتب النحو والصرف متلهفًا وساعيًا نحو المعرفة، كل هذه الأمور أهلته لأن يكون شاعرًا متمكنًا واسع الثقافة مطلع على العديد من العلوم.

مما قاله غوته في وصفه للغة العربية " – والتي نود أن نذكِّر به بمناسبة الاحتفال بيوم اللغة العربية العالمي والذي يوافق يوم أول أمس الثامن عشر من شهر ديسمبر - أنه ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وإنه تناسق غريب في ظل جسد واحد"، وقد عكف غوته على دراسة الشريعة الإسلامية دراسة متعمقة، وأطلع على الأشعار والملاحم العربية وتأثر بعدد من الشعراء مثل المتنبي، وقام بإدراج بعض من ملامح أشعاره في روايته "فاوست"، كما تأثر بأبي تمام، والمعلقات السبع فقام بترجمة عدد منها إلى اللغة الألمانية عام 1783 م بمساعدة معلمه هيردر، وقرأ لفحول الشعراء مثل امرؤ القيس، طرفة بن العبد، عنترة بن شداد، زهير بن أبي سلمى وغيرهم، وكانت للأشعار والمفردات العربية تأثير بالغ على أشعار وأدب غوته.

ونظرًا للمكانة الأدبية التي مثلها جوته تم إطلاق اسمه على أشهر معهد لنشر الثقافة الألمانية في شتى أنحاء العالم وهو "معهد غوته" والذي يعد المركز الثقافي الوحيد لجمهورية ألمانيا الاتحادية الذي يمتد نشاطه على مستوى العالم، كما نحتت له عدد من التماثيل.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط