الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فيها حاجة حلوة‎


أحسَبُها سَهلة، بينما يعتَقِدُ البَعْض أنها مُسْتحيلة، دائمًا ما أراها قَريبة كحبلِ الوريد بينما يُجزِمُون أنها كوكبٌ بعيد!

أشعُر بطيفِها النَدِي يقفُ علي استحياءِ بدلالٍ مُشرَب بالخجل ، في انتظارِ إشارةٍ منك لتقتحمَك بلا هَوادة، فيسخَرُون مني ويتبارون في ذِكْر أوصافِها التي ما أَنزَلَ اللهُ بها مِن سُلْطَان ، فلا يرّونَها إلا الماكرة اللعُوب المَرهونَة بما في الجيوب !

أؤمِنُ بِهَا فيشككون في وجودِها ، أُحِبُ خِفة ظِلِها فيكرهون جنونَ عظمَتِها، أنتظِرُها فيقيني أنها ستأتي ولو بعدَ "حِين "، وأتجاهَل نظرات الشَفقة في عيونِهم المُتَسائِلة ألم يحِن هذا " الحِين"!

إنها صاحِبة الطريق التي تتلاعبُ بالمصيرِ، الجَزْرَة المربوطَة في طرفِ عصا أحلامِك ، في حضورها تُصابُ بالهلاوسِ السمعيةِ والبصرية !

إنها السعادة ! التي وردَ ذِكرُها في سورةٍ وَاحِدَةٍ في القرآن الكريم وهي سورة " هود " وذُكِرَت في موضِعين قريبين.

فوصَفَ اللهُ النّاس يَوْمَ القيامةِ بأنهم سيكونون علي حالين إما ( شَقِي أو سعيد) ، وفِي المَوضِع الآخر اقترنت السعادة بالجنةِ ، أي أنْ كُل ما نسعي إليه في الأَرْضِ هو أشباه سعادة ، مُسكنات لنتحَمَل قسوة رِحْلَة الحياة، وَلَكِن هل يعني ذَلِك ألا نبحَث عَن موجبات تِلْك السعادة أو ما شُبِه إلينا بأنها سعادة؟

قولًا واحدًا كيف لا تبحُث عنها والأديان السماوية تَدعوك إلي ذَلِك؟ ، فإذا وعدَنا اللهُ بها في (الآخرة ) فلن نصِل إليها إذ لم نُدرِكها في (الآولي )أي في الدنيا!

فالسعادة في الدنيا مُقتَرِنة بالرضا، والرضا لا يأتي إلا لمن يرضي، فإذا كان للصبرِ أَجْر ، فالرضا له أجور وهو مرتبة عالية لا وصول إليها إلا بصفوةِ القلوب وطهارةِ النفوس.

الحياة مليئة بمسبباتِ التوتر والقَلَق، وغنية بأسبابِ الاكتئابِ والإحباط، وكريمة في عطايا الهَم والحُزن، وضنينةِ الضَحِكات والابتسامات، بالرَغم من أنها تمتلئ بالتفاصيل التي تؤكِّد دائمًا على أن " الدُّنْيَا فيها حاجة حِلوة" لكننا لا نَراها ، وكيف ذَلِك وَنَحْنُ مشغولون بالجزرة المربوطةِ في طَرْفِ العصا!

قَد تكون تِلْك التفاصيل البسيطة أَضعَف مِن أن تحمِل علي كتفيها السعادة لتضعها بينَ ثنايا روحَك ، لكنها ممكن أن تجلِب لَكَ الفَرَحْ وإن قَصُر زمنه ، فرحَة صغيرة علي بسمة لطيفة خُطوة في طريق الرضا المؤدي في نهاياتِه للسعادة.

أعِد النَّظَر في تفاصيل حياتك التي تَبْدو ( تافهة ) حاول أن تُعطيها قَدْرَها الَّذِي تستحقه ، ولتعرِف قَيمتها تخيل مصيرَك بدونِها!

فماذا عَن فنجان القهوة الصباحي وكوب شاي العصَاري!

وما الأمر بالنسبةِ لفيلم تُحبه تجدُه صدفةً في وسَط مئات القنوات وكأنه هدية لَكَ وحدَك دُونَ باقي أهل الكوكَب! وبالمثل لأغنية تنشِلَك من بَحر الظُلمات لشاطئ التجليات، تذكَّر حلاوة جلسة الأصدقاء التي تُعادِل في تأثيرها عِدة جلسات لأمهَر الأطباءِ النفسيين.

لا تنسَ فَضْل الحُضن الذي يغير خارِطة حالتك النفسية ، فبينَ ذراعي المَحَبة ترسو كُل سُفِن الأمان ، ودائمًا هناك تِلْك الذراعان المَفتوحتان لاستقبالك إذ لم يَكُن والداك فأخواتك، أو أصدقاؤك أو أبناؤك وربما هي أذرع حبيب حاضر أو حُضن بينَ عيني عزيز غائب.

امشِ علي البَحْر ، جَرَّب أكل الشيكولاتة أو الذرة، اقطَعْ تذكرة سينما إن لمْ يَكُن مِن أجلْ الفيلم فاجعل شفيعَك قُرطاس الفيشار مِن الحجم الكبير، احضر حفلة لنجم تُحبه أو لا تُحبه لا يهُم ، جلّ ما يتطلبُه الأمرْ هو أن تَجْعَل الموسيقي تتخلل خلاياك.

اشرَب سحلَب شتاءً وعصير مانجو صيفًا، حاول وكرر المحاولة حتي تُجبِر نفسَك الساخطة علي شُكْر النِعَمْ.

إحدى الوصفات الأكيدة هي أن تفتح أذنيك لسماع شكوي الغَير، وقلبَك لحِل مشاكلهُم، ويديك لاحتوائِهم، القِ بهَمَك في قلب هموم مَن تَعرِفْ ومَن لا تعرِفْ فستكتشِف أن كُل ما يسوءكْ هو قَشَة في بَحْر.

كُن علي ثِقة بأن للقَدَر عطايا وهِبات خفية ، بينَ كُل عسرين يُسْر والمِحن تسكُنها المِنَح ، وبعَضْ الحلاوة تنبُع من قَلبْ المرار ، وفِي كُل شَمْس يُوْم جديد ستجِد فيها حاجة حلوة ، وإن لم تَجِد فكُن أنتَ الحُلو للآخرين ، ولَك الأجر والثواب والجزاء من جِنس السعادة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط