"الإفتاء" توضح مشروعية قضاء الصوم عن الميت
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه إذا أفطر الصائم بعذرٍ واستمر العذر إلى الموت فقد اتّفق الفقهاء على أنّه لا يصام عنه ولا فدية عليه؛ لعدم تقصيره، ولا يلحقه إثم؛ لأنّه فرض لم يتمكّن من فعله إلى الموت فسقط حكمه، كالحجّ.
وأضاف الإفتاء فى ردها على سؤال هل يجوز قضاء الصوم عن الميت؟ أمّا إذا زال العذر وتمكّن من القضاء ولكنه لم يقض حتّى مات فللفقهاء فيه قولان:
فالجمهور من الحنفية والمالكية والجديد من مذهب الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة يرون أنه لا يُصام عنه بعد مماته بل يُطعَم عنه عن كل يوم مدٌّ؛ لأنّ الصوم لا تدخله النّيابة في الحياة فكذلك بعد الوفاة، كالصّلاة.
وذهب أصحاب الحديث وجماعة من السلف كطاوس والحسن البصري والزهري وقتادة وأبو ثور، والإمام الشّافعيّ في القديم، -وهو معتمَد المذهب الشافعي والمختار عند الإمام النّوويّ، وقول أبي الخطّاب من الحنابلة-: إلى أنّه يجوز لوليّه أن يصوم عنه، زاد الشّافعيّة: ويجزئه ذلك عن الإطعام، وتبرأ به ذمّة الميّت، ولا يلزم الوليَّ الصّومُ بل هو إلى اختياره وإن كان أَولَى من الإطعام، لِمَا رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، ورويا أيضًا من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى».
أما الإمام أحمد والليث وإسحاق وأبو عبيد فقالوا: لا يُصام عن الميت إلا النذر فقط؛ حملًا للعموم في حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها على خصوص حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي بينت رواياتُه أنه صوم نذر.
والمراد بالولي الذي له أن يصوم عن الميت: القريب مطلَقًا، ويجوز للأجنبي عن الميت أن يصوم عنه بإذن وَلِيِّه.
قال الإمام النووي في "شرح مسلم": "وَهَذَا الْقَوْل -يعني جواز قضاء الصوم الواجب عن الميت مطلَقًا- هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي نَعْتَقِدُهُ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ مُحَقِّقُو أَصْحَابنَا الْجَامِعُونَ بَيْن الْفِقْه وَالْحَدِيث؛ لِهَذِهِ الأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة. وَأَمَّا الْحَدِيث الْوَارِد "مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام أُطْعِمَ عَنْهُ" فَلَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَوْ ثَبَتَ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الأَحَادِيث بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى جَوَاز الأَمْرَيْنِ؛ فَإِنَّ مَنْ يَقُول بِالصِّيَامِ يَجُوز عِنْده الإِطْعَام، فَثَبَتَ أَنَّ الصَّوَابَ الْمُتَعَيِّنَ تَجْوِيزُ الصِّيَامِ وَتَجْوِيز الإِطْعَام، وَالْوَلِيّ مُخَيَّرٌ بَيْنهمَا، وَالْمُرَاد بِالْوَلِيِّ: الْقَرِيب، سَوَاء كَانَ عَصَبَةً أَوْ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَقِيلَ: الْمُرَاد الْوَارِث، وَقِيلَ: الْعَصَبَة، وَالصَّحِيح الأَوَّل، وَلَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيّ صَحَّ وَإِلاَّ فَلا فِي الأَصَحّ، وَلا يَجِب عَلَى الْوَلِيّ الصَّوْم عَنْهُ، لَكِنْ يُسْتَحَبّ" ـ