الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وعاد يوم الفراق


تتوالى السنين وتقف عند هذا اليوم الذى بدأ باتصال هاتفى منه يحدثها عن شوقه الجارف لها وحنينه للارتماء فى حضنها وتعهده بألايتركها أبدا.

 لأنه رغم أن غيابه عنها لم يكمل أسبوعا إلا أنه يتقطع فى غيابها عنه ألف مرة ومرة فى كل ساعة، وعندما استوقفته بأن ساعات هذا اليوم فقط هى من تفصله عنها وفى الصباح سيعود ويعيشان كما كانا فى سعادة وهناء ، صمت لوهلة ورد عليها مين قالك ؟فلما أعادت عليه ما قاله وطلبت التوضيح تجاهل، وقال لها: هتوحشينى وبتوحشينى ياحبيبتى .

وانتهت المكالمة لتعقبها أشياء غريبة، مثل وقوع صورته من مكانها، ورغم أنها تضعها مرة أخرى وتتأكد أنها مثبتة تماما، إلا أنها تقع مرة أخرى، وبعد ساعة من انتهاء المكالمة تتوقف عقارب الساعة المعلقة على الحائط لتقوم هى بتركيب حجارة جديدة لها ظنا منها بأنها انتهت، ولكن الساعة تصر على التوقف.

 على الساعة الثالثة والنصف عصرا، يصاحب كل هذا انقباض قلبها، وشعورها بزهق غريب، وحزن جاثم على صدرها لا تدرى سببه، ورغبة ملحة بالبكاء غير المبرر.

تحاول ان تبحث عن اسباب ذلك الشعور الغريب بأن حادث جلل سيحدث ولكنها لا تعرف أو ربما تتخوف من تصديق هواجسها، يقطع هذا التفكير اتصال ىخر من صديقتها غير مرتب يجعلها تجرى مسرعة بلا رؤية لانها استشفت من كلام صديقتها أنها تخفى شيئا ألم بحبيبها وفرحتها فى الحياة.

ومن القاهرة إلى الإسماعيلية تفكر وتتوقع كل شىء، ولكنها تتلهف لرؤياه حيث كان يشارك فى بطولة للكاراتيه تلك الرياضة التى اختارها منذ أن كان عمره ست سنوات، تتوقع انه قد اصيب وتتلهف للاطمئنان عليه تتصل بكل من معه أخيه الاصغر لا يعطيها اجابة قاطعة ،الكل يتهرب من طمأنتها عليه ولكنها تداوم الاتصال وهى فى طريقها الذى حسبت ساعته عمرا وتسأل احدى صديقاتها عنه، وتقول لها قوليلى ماله؟ وتأتيها الإجابة مزلزلة ..ميغلاش ع اللى خلقه .

يتوقف الزمن وتعود لأحداث يومها صورته التى وقعت على الأرض، عقارب الساعة النى توقفت فى موعد وفاته كما قالت لها صديقتها وهى تنتحب عليه تصل إلى مستشفى الإسماعيلية وتجد الدنيا كلها هناك وتصر على الدخول إليه بمفردها وترفض ان يشاركها أحد رؤيته وهو فى وضعية الموت فهى أحق برؤيته من كل الناس.

وتنظر إليه مبتسما كما لو كان نائما وكعادته فى حياته راسما ابتسامة دائمة على وجهه عاملا بقول رسولنا الكريم التبسم فى وجه أخيك صدقة.

تحتضن جسده وتشعر أنه يضمها إليه وتقبل جبينه وتودعه وتخرج معه وتصر أن تصحبه فى سيارة الإسعاف وترافقه وتقضى معه اليل نائمة بجواره، وفى داخلها رغبة بان تكشف عنه كفنه اذ ربما انه نائما وسيصحو اذا ماقامت بذلك .

ولكن هيهات فجسمه ممدا وجسده باردا، وتتأكد مع مرور ساعات الليل أنها تتمنى المستحيل، ويأتى الصباح ومعه من سياخذوه منها لدفنه ومواراة جثمانه التراب إلى الابد ، وترافقهم حتى مدفنه وبعد ان يمشوا تظل هى امام قبره لتودعه الوداع الاخير وتطمئنه انها لن تنساه، وكيف لها ان تنسى أول فرحتها، وأول من ناداها بماما، وأول من شعرت بحبه وبحنيته طوال ستة عشر عاما هم عمره معها.

والآن وبعد مضى تسع سنوات على وفاته تتأكد من رحمة ربنا بابنها عندما حرمه من الحياة ليهنأ عند الله بحياة أبدية، ولتتأكد أيضا أن ابنها محبوب من الله الذى لم يتركه لهذه المرحلة من حياتها والتى ‘ن كان قد عاشها كانت ستتحول حياته إلى كارثة انسانية فهو لم يكن يتحمل ولا يرضى بمصير عشقه الأبدى انا أمه التى تنتظر ذهابها اليه فى كل لحظة .

اليك ابنى البكر أمجد كل ايات المغفرة والرحمة اطلبهما من ربى ومنه أيضا أطلب الراحة وحسن الختام ووضع نهاية لحياة أرهقتنى وارهقنى فيها كم الغدر والخذلان الذى لم أكن أتوقعه لاننى لم افعل شيئا أعاقب عليه بهذا القدر من كل شىء سوى يقينى بانه ابتلاء.

سلاما عليك ابنى من دار الباطل والابتلاء إلى دارك دار الحق والهناء، وعلى موعد التقيك فيه لأنفض عنى كل أثواب العناء، سلاما يا أمجد وإلى لقاء أظنه قريبا إن شاء الله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط