الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإعلام الأداة الأخطر


لقد كانت قبائل العرب تقيم الاحتفالات وتنحر الذبائح، بمناسبة ميلاد شاعر في إحدى القبائل، وذلك كون هذا الشاعر، هو أداة إعلام القبيلة، فهو الذي يتغنى بمآثرها، وهو الذي يذود عنها في المحافل، وهو الذي يحفظ أيام فخارها، كون الشعر سهل الحفظ، ذلك يجعل سرعة انتشاره كبيرة، ومن ثم يصنع ويرسخ الصورة التي يُضَمِّنُها الشاعر أبياته، ويُكَوِّن رأيا عاما في صالح قبيلة الشاعر، وضد أعدائها.

لقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الشعراء كأداة إعلامية يواجه بها هؤلاء الشعراء الذين ينالون من الرسول الكريم، والذين يقدحون في الرسالة الجديدة، فأمر الشاعر المخضرم حسان بن ثابت بهجاء أعداء الدعوة: اهجهم يا حسان والروح القدس معك.

لقد أدرك الرسول الكريم قيمة الإعلام واستخدم الآلة الإعلامية المتاحة في عصره، والتي ظلت حتى عصرنا هذا إحدى الوسائل الإعلامية وإن خبا تأثيرها مقارنة بالأساليب الحديثة.

لقد استخدمت الفرق والأحزاب المتناحرة، في العصور المختلفة، الشعراء كأداة إعلامية تدافع عن ما تقوم به هذه الفرقة أو تدعو له تلك الأحزاب، وحاول الجميع استمالة الشعراء خاصة الموهوبين منهم، والذين ملكوا ناصية القوافي، لما كان لهم من أثر عظيم في نشر الفكرة ورد السهام التي يُصَوِّبُها المنافسون والأعداء.

وإن كان للشعر كأداة إعلامية أثر ملموس، فإن الإعلام بمفهومه الحالي في العصر الحديث هو أخطر أداة ، بل هو الأداة الأهم لدى الدول، فهو الذي يشكل الوعي العام للشعوب، كما أنه الذي يوجه الرأي العام في القضايا المختلفة، ولا يمكن لدولة أن تنجح فيما تسعى إلى تحقيقه من أهداف إلا إذا امتلكت آلة إعلامية متميزة، يقوم عليها كوادر أكفاء، وتبث محتوى يتفق والأهداف التي تسعى إليها الدولة، وتتمتع بتكنولوجيا متطورة تستطيع من خلالها منافسة الوسائل الإعلامية المنافسة.

وإذا كان الخلفاء والأمراء وعامة الحكام في الماضي يغدقون المال والمكافآت والهدايا على الشعراء الذين هم الأداة الإعلامية، فإن الحال في العصر الحديث لم يعد كذلك، حيث أصبح الإعلام صناعة باهظة التكاليف، ولعل في تجربة قناة الجزيرة، التي كان لها أقبح أثر في المنطقة، لدليل قاطع على الاستخدام الهائل للمال في صناعة الإعلام، ليحقق هدف أصحاب ذلك المال.

لقد كان، وسيظل، الإعلام المصري رائدا في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ليس بفضل المال، الذي هو عنصر هام للغاية، والذي هو ما يمثل الأزمة الراهنة للإعلام المصري، ولكن بما يمتلكه من قدرات بشرية متميزة، وكوادر فنية لا تتوفر لأية دولة من دول المنطقة، وأنه على الرغم من أن الإعلام صناعة مكلفة ماديا، كما قلنا، وأن هناك العديد من الدول حازت ثروات هائلة، استثمرت جزءا هاما منها في صناعة الإعلام، إلا أن هذا الإعلام ظل إعلاما مهجَّنا، لا يعبر تعبيرا صادقا عن كفاءة هذه الدولة ولا يعكس المستوى الحقيقي، وذلك لافتقار هذه الدول إلى القدرات البشرية الموهوبة والمتميزة والتي تمتلك منها مصر الكثير، وهو ما صبغ إعلام هذه الدول - خاصة المقروء منه - بالصبغة والروح المصرية، حينما استعانت بالقدرات البشرية المصرية.

لقد انتبه الرئيس عبد الفتاح السيسي مبكرا لأهمية الإعلام وخطورة دوره، واستحث الإعلاميين مرة، والوسائل الإعلامية أخرى إلى تسليط الضوء على القضايا الحقيقية في مصر والمنطقة، إيمانا منه بأن أي مشروع قومي للدولة لا يمكن أن يأتي بنتائجه إلا إذا آمن الشعب بدوره في صنع وتحقيق هذا المشروع، لقد أشار الرئيس أكثر من مرة للتحديات التي تواجه مصر والمنطقة، وخاطب الإعلاميين مباشرة طالبا الدعم الإعلامي لإدراكه الشديد بمدى خطورته، ولكن – في تصوري – كانت الاستجابة دون المستوى، ذلك الذي وضح جليا في استغراق الجزء الأكبر من الإعلام في قضايا جانبية، ومشكلات ثانوية، ولم يستطع أن يطوف بالشعب في القضايا الكلية، ولا التحديات الكبرى، ووقف جزء كبير منه على أعتاب التحديات الكبرى، فلم يخض فيها بما يضمن أن تصبح هي القضايا الكبرى للشعب المصري على مستوى العقل الفردي، وليس العقل الجمعي المدرك لصعوبة المرحلة.
لقد أعلن الرئيس السيسي مؤخرا عن الشروع في إطلاق قناة مصرية عالمية لتكون صوت وصورة مصر في الفضاء الخارجي، ذلك الذي يؤكد مدى إيمان الرئيس بدور الإعلام وقيمته، وما يستطيع أن يفعله الإعلام لمصر.

على الرغم من الدور الوطني الحيوي الذي لعبه ويلعبه الإعلام المصري، فإنه قد قصَّر في تقديم ما يتم في مصر من إنجازات في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونضرب مثلا بما تحقق على مستوى أحد أخطر الأمراض فتكا وهو الالتهاب الكبدي، والذي كانت مصر من أكثر الدول ابتلاء به، وأن هناك نتائج هائلة تمت في هذا الملف الصحي، وأن مثل هذه النتائج لو تمت في إحدى الدول الأوروبية لأصبح الإنجاز - بفضل الإعلام - حديث الكرة الأرضية قاطبة.

في ذات الوقت الذي تفرد برامج التوك شو مساحات واسعة غير مبررة لبعض القضايا الثانوية، وهو ما لا يتفق والتحديات التي تواجه المجتمع المصري، والذي ينوه إليها الرئيس كثيرا، ويدركها السواد الأعظم من الشعب المصري.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط