الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كش ملك


تُشبه الحياة لُعبة الشطرنج في مناحٍ كثيرة تَصِل إلى حَدْ التطابُق أحيانًا، بدءا من بلاطَتِها البيضاء والسوداء التي تتكوَن مِنها أرضية اللعبة، فهي تتوافَق مع مفهوم خُطواتنا في تِلْك الأرض التي نحيا عليها، فالطريق دائمًا مفروش بخطوات بعضها أبيض والآخر أسود وعليك الاختيار!

ولا يعني دائمًا اللون الأبيض النقاء والصفاء وصِحَة الاختيار، كما لا يعني الأسود أيضًا أنه طريق الخُبث والخبائث، ما هُما إلا دلالة على خُطوة ستقودَك لغيرها وعليك الانتقاء والمفاضلة، فقد يكون الأبيضْ مصيدة والأسوَد مكيدة، فالاختيارات لو كانت بتلِك السهولة والوضوح ما احتلَت الحيرة والقَلَق ألبابنا.

تتراصُ في صفوفِ اللعبة أشكال مُختلفة القوة والتأثير من الْمَلِك للوزير للفيل بِخِلاف القلعة والحصان والبيدَق، ستةُ عشر قطع نصيبِك منها، وأربع وستين رُقعة لتواجِه مصيرَك فيها، الفوز مُتاح للجميع، كُل ما يلزَمَك هو التخطيط الاستراتيجي السليم قَبْلَ أي خُطوة تخطوها، تعقِلها وتتوكَلْ هذا كُل ما يستلزِمُه الأمر.

أنتَ وخِصمَك لكما نفس المعطيات وستتحركان في ذات الرُقعة تحكُّمكُما نفس قوانين اللُعبة، لِكُلٍ منكما الأربعةُ والعشرون قيراط لا ينتقص منهُم شيء إلا نظرِتَك لما تملُك وتقديرَك لما عليك أن تفعَل، وتقييمَك للمحيطين بِك،
فهذا إذا اقتَرَب سيؤذيك وهذا سيعيدك للخلف خُطوات وذلك قادِر على عَرقَلتَكْ لبعض الوقت عن الوصول لهدفِك، ودائمًا ما تترَقَب الضربة الموجعَة ممن يقترِب مِنكْ، وتتذكر مَن كان أمام عينيك وتتناسى مَن أنتَ قُرّة عينيه.

هَدَف وَاحِد وخصمان، إذًا فالنتيجة محسومة قبلًا، فهناك فائز مُخلفًا خاسِر وتنتهي اللُعبة، وهنا يتجلى الفَرْق بينَ اللَعِب علي رُقعَة الشَطَرَنج ورُقعة الحياة.

فبغَضْ النَّظَر عن ما حققته بينَ جنبات الرُقَع البيضاء والسوداء تِلْك هي نهاية الدور، لن تستطيع تغييرها، أما الحياة فَكُل ما تُحَققه فيها ما هو إلا ليؤَهلَك لمستوى أعلى مِن اللعب، فوتيرة لُعبة الحياة مُتصاعدْة وسريعَة لا تهدأ إلا باستكانة آخر أنفاسَك.

إحدى مميزات لعبة الشَطَرَنح اللتي تشترك فيها معَ غيرها من الألعاب، أن الفوز يعني المكسب، والهزيمة تعني الخسارة، أما في اللُعبة الأم لعبة الحياة فالفوز يعني خُسارةً ضمنية والهزيمة تعني مكسِبًا نوعيًا، لا وجود لمفهوم "المُطْلَق" في الحياة، فهي ما تُعطيك إلا لتأخذ مِنك وما تأخذ مِنك إلا لتُغدِق عَلَيْك.

كُلُّنا نمتلك نفس رأس المال (قراريطُنا) كاملة قد تختلف التقسيمة في الصحة والجمال والمال والعيال وراحة البال، وَلَكِن بجمع الناتج سيتساوي الجميع ، كُلُّنا سواسية، ما يميز العربي عن الأعجمي هو كيفية إدارة تلك الموارد وأستغلال رأس المال بأفضل الطرق.
 
فقد يكون "رأسمالك" عقلك وفكرك أي رأسك، وغيرَك رأسماله هو مالُه! قصة "الرأسمال" محسومة أنها الرأس والمال، ومَن مِنَّا لا يملك الرأس؟

إذًا بذلك قطعنا نصف الطريق، أما ما سيتيسَر مِن باقي الطريق هو حصاد نصفُه الأول! حصاد العَقْل الذي وضَع إستراتيجيات اللعب وقَبْلَ ذَلِك أدرَك هدفُه.

فلكُل منّا "مَلِكٌ" يقُضُ مضاجعنا أحيانًا ونحُن نمكُر لهُ، ويملأ قلوبنا بالسعادة حينًا عندما يَمْكُر لنا، ونتخيل أنها خُطوات و"يكِش الْمَلِك".

فالإنسان رعّية في مملكة الإنسانية، ينصِب على نفسُه بنفسِه مَن يتلذذ أن يُصبِح في حضرتِه عبدًا، فنجد عبدِة المال ومشعوذي الحُب ومريدي النجاح، كُلهم يقدمون أعمارهِم وراحة قلوبهم قرابين "ليكِش" هذا الْمَلِك الذي توجوه بأيديهم.

فلا تكُن إلا عبدًا لله، وأسعى في الأرض ملء جناحيك، وَلَكِن سعي الحرية فلا تقيد جناحيك بهوي ما يفني أو يزُول، عندها فَقَط "ستگِش" مُلُوك نَفْسَك قبل أن يصرعَها هواها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط