الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فرحة كأس العالم: ما بين الأسوياء والمرضى


"لعبة" كرة القدم اسم أرى أنه ليس مناسبا، حيث أنه يقلل كثيرا من أهمية الرياضة: ممارسةً ومتابعةً وتشجيعًا، الرياضة أدوار مهمة للغاية، ربما يأتي أقلها أهمية بل يأتي في أسفل أدوارها "التسلية"، التي يحاول البعض – جهلا أو عمدا – حصر دورها فيها، فلها أدوار أخلاقية، كما لها أدوار اجتماعية، وأدوار في بدنية في بناء الجسم، وأدوار عقلية.

لقد خُلِقَ الإنسان مجبولا على التنافس والصراع مع غيره من بني جنسه؛ ذلك الذي كان سببا في نشوء الحروب، والصراعات المسلحة، تلك التي راح ضحيتها آلاف الملايين من البشر عبر التاريخ، وما أن أخذ الإنسان خطوات في مشوار التحضر إلا وحاول أن يستعيض عن هذه المَقْتَلات، التي مازالت تحدث حتى يومنا هذا، بمنافسات شريفة، يبذل فيها الإنسان بطريقة مشروعة تلك الطاقة الكامنة في أعماقه، والتي كان يوجهها في الاعتداء، في شكل مسابقات ومنافسات مختلفة، ليست الرياضة مجالها الوحيد، وإن كانت هي أكثر هذه المنافسات انتشارا ووضوحا، فهناك مسابقات علمية، وأخرى ثقافية، وثالثة أدبية، تلك المنافسات تدور وتقام بين الأفراد في الجماعة الواحدة، ممثلين عن أنفسهم أو عن مجموعة ممن يتفقون سويا أو يكونون فريقا لنادٍ ينتمون إليه، وتتبارى فيها الدول من خلال أبنائها وفرقها المختلفة في كافة المجالات، ذلك الذي يدفع المتبارين: أفرادا ومجموعات ونوادٍ ودولا إلى السعي للتفوق في هذه المنافسات.

لقد أصبحت المنافسات "الشريفة" المختلفة هي البديل الراقي عن تلك الحروب الطاحنة التي كانت تغرق فيها البشرية، فعلى الرغم من تلك الصراعات الراهنة في عالم اليوم، تبقى العصور المتأخرة أكثر عصور الإنسان تحضرا، نتيجة لنضوج العقل الجمعي العام لدى البشرية، ذلك الذي ليس بالضرورة أن ينسحب على الوعي عند كل الأفراد الذين مازال منهم من لم يدرك جوهر تلك المنافسات وأهميتها.

وإذا كانت الرياضة هي أظهر تلك المنافسات والمسابقات الإنسانية، فإن هناك مَحْفَلَين رياضيين هما الأهم والأكثر شهرة في المعمورة، وهما نهائيات كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية؛ واللتين تقام كل منها كل أربع سنوات، يفصل بين بين إقامتهما عامان.

ولأهمية هاتين المسابقتين عالميا، تسعى الدول سعيا لكي تحجز لها مكانا فيهما ليرفع علم الدولة خفاقا في هذين المحفلين العالمين، وبمجرد تأهل الدولة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم، وهو ما حدث مع مصر يوم الأحد الماضي، تتناقل وسائل الإعلام العالمية الخبر مع علم تلك الدولة وأبرز اللاعبين، وهو ما يعود بفائدة معنوية كبيرة على شعب هذه الدولة كما يعود بفوائد مادية – لا تقاس بسابقتها - ليست هي موضوع حديثنا اليوم.

منْ يقدر قيمة الرياضة، لا شك أنه يقدر قيمة الإنجاز الذي حققه صلاح ورفاقه أعضاء منتخب مصر لكرة القدم حينما تمكن من التأهل لنهائيات كأس العالم، ومن لا يفهم تلك القيمة الكبيرة للمنافسات المختلفة، لا يستطيع أيضا أن ينكر تلك الأهمية لما تم من إنجاز، حيث إنه جعل اسم مصر حديث العالم لأكثر من ٢٤ ساعة هي يوم التأهل، وسيستمر ذلك إلى ما بعد انتهاء مباريات الحدث الأهم رياضيا في شهر يوليو من العام القادم، ذلك الذي يضيف لمصر سببا لأسباب شهرتها الكبيرة، ويعكس مكانة الرياضة المصرية بصفة عامة ولكرة القدم بصفة خاصة.

أتذكر منذ أربع سنوات حينما فشل "تريكة" ورفاقه في التأهل لنهائيات كأس العالم، بعد هزيمة قاسية من غانا التي تأهلنا على حسابها يوم الأحد الماضي، كان الحزن يخيم على أرجاء مصر كلها، ويعتصر قلوب المصريين في كل مكان في العالم، وهو شعور الأسوياء الذين ينشدون رفعة وطنهم في كافة المحافل، في ذات الوقت الذي خرج علينا فيه فئة ضالة مريضة تهلل لهذه الهزيمة وهذا الفشل وذلك الانكسار، مدعين أنه عقاب من الله – كما ذكر القرضاوي آنذاك - لهذا الشعب الذي وقف مع دولته الوطنية، وإمعانا في الضلال والتضليل نسبوا الفشل للمشير أول عبد الفتاح السيسي الذي لم يكن قد تولى مقاليد الحكم في ذلك الوقت، صابغين على مباراة رياضية صبغة دينية تحركت فيها الملائكة والشياطين بأمرهم، واسْتُخْدِمت فيها الآيات والأحاديث مدللة على الاتجار بالدين وعلى مرض القلوب قبل العقول.

هذه القلوب وتلك العقول هي نفسها التي تزيح أكبر كم من التراب على الإنجاز الرياضي الذي حققه المنتخب المصري لكرة القدم بالتأهل لنهائيات كأس العالم، مشككين في قيمة فرق المجموعة التي تنافست معها مصر، ناسبين الإنجاز لدعوات المصريين التي هي هي كانت حاضرة في المرات السابقة، ولم يستجب لها الله سبحانه وتعالى!! رافضين فكرة فقط أن ينسب الإنجاز إلى الفترة التاريخية لأن الذي يحكم فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يسعون سعيا لتشويه أي إنجاز له فضلا عمل، جاعلين الملائكة – التي هي تحت إمرتهم ورهن إشارتهم دائما - هذه المرة مساندة للشعب "الغلبان"!.

لم يكتف هؤلاء بذلك، بل خلطوا الأمور خلطا شديدا، فإذا بالرياضة لا قيمة لها؛ فهي لا تقدم ولا تؤخر وهناك ما هو أَوْلَى منها، وما هي إلا إلهاءٌ للشعب المسكين الذي يعاني، ولو ذكرنا لهم أن كل الشعوب العالم المتحضر تهتم اهتماما شديدا بالرياضة وإنجازات بلادها فيها، أجابونا أن هذه الشعوب تحيى في رفاهية ولها الحق في الاستمتاع بعدما حققوا نهضة لبلادهم، حينئذ نرد أن هناك العديد من الشعوب الأكثر منا معاناة اقتصادية ويحتفون احتفاء هائلا بهكذا إنجاز حينها يبهتون كالذي كفر.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط