سنوات العُمر تمُر سريعة معَ بطء لحظاتِها، وقصيرة وإن طالت دقاتِها، ذلك السؤال الذي نطرحُه على أنفسنا في لحظاتِ الضيق واليأس والألم "فيما أنفقت عُمرَك"، أصدَق سؤال يمكن أن تواجِه به ذاتَك لتحاسبها وتراجعها، وَلَكِن للأسف ارتباط هذا السؤال بلحظات الضيق في الدنيا والآخرة يجعلُه ثقيل الظِلْ.
والغريب أن كُل الحقائق في دار الضيافة التي نمضي بها ساعات معدودة وخطوات محسوبة، هي قاسية التعابير سخيفة الإيقاع، الفُراق والموت والنهايات غير السعيدة، والقدر المحتوم، والعتمة في لحظات الليل الممتد، كُل ذَلِك أمر واقِع ليسَ لَهُ مِن رادِع، ولا حيلَةَ لنا لمواجهةِ كل هذا إلا بتكذيبُه وتشويهُه، وَلَكِن أينجح الأمر؟
لُعبة التجاهل كُلُّنا نتْقنُها، والكثير مِنَّا استطاع تحقيق مراكِزَ متقدمة فيها، بل والتحايل على كلِ ما سيكون يومًا ما..! وَلَكِن ما كُتِب له كُن سيكون، لذا علينا أن نتعلم التعامُل مَعَهُ بدلًا من الهربِ مِنْه، فإذا أيقنا أن النهاية ما هي إلا بداية جديدة قد تختلف قواعِد اللُعبة، فأعمارنا الصغيرة ما هي إلا جولة في لعبة كبيرة اسمها الحَيَاة..!
علاقاتِنا وصداقاتِنا وعدواتنا مكتسبات لتلك اللعبة بعضها يكون مكافآت، وبعضها الآخر عقوبات، حتى أحلامنا وأهدافنا ليسوا دائمًا مرفأً للنجاة، فأحيانًا ما يكونوا شاطئا للهلاك، الأمل قد يبعِدك عن الدَرب، والألم قد يردك له، فلا واقِع إلا اللا مفر..!
يَدُ اللهِ الحانية أتشعر بِهَا؟ إنها تِلْك التي تداوي جرحَك إذا ظُلِمْتْ، وتشد أزرَك إذا ضعِفت، وتمنع تعثُرك عندما تَضِلُ خُطوتَك.
بين كل عُسرين يرقُد اليُسر هادئًا كهدوء الموتي، تحسبه لن يستيقظ أبدًا ليباعد بينَ رحايا الْعُسْر، قَبْلَ أن تسحَقُ ما تبقي مِن صبْرَك وأعصابَك، وَلَكِن فجأة ينتفض اليُسر كوحشٍ كاسِر ليَفْتِك في لحظات ما آلمَكَ لسنوات، وفِي ليلة وضُحاها يُبَدِّل حالك مِن حالٍ لحالِ، وكأنَ كُل ما كان لم يَكُن يومًا.
غريبة لحظة النهاية، وإن اختلفت، فنهاية الحِلم أو العِلْم أو الفيلم، تِلْك الدوائر المتشابكة التي نحيا بداخلها وندور في شباكِها، ما هي إلا بمثابة "النقطة" تجبرَك على أن تبدأ سطرا جديدا، رغم أنها أصغر علامة كتابية، لها مِن القوة ما لم يُؤْتَ لآلاف الكلمات ولا للحروف التي شكلتها، هي فقط، ظهورها يعني ميلاد بداية جديدة.
لا تُشَكك أبدًا في حقيقة لا تَقْبَل الجِدال، فهناك دائمًا بدايات جديدة، "قَدْ" تكون سعيدة، وَلَكِنها هناك وأنت هُنَا لن تأتي لبابِك، إذا أردتها فاذهب إليها، لا تُكبِل قدميك بـ"قَدْ"، إعقِلها وتوَكَل، في كل يَوْم تشرق شمس النهار، لتفتت ظلام الليل وتُعلن بداية جديدة لَكِن إذا لم تنهض وتزيح الستائر عن شبابيك بيتَك وقلبَك، فتوقَف عَن اتهام الكون بأنه ليل بلا نهار.
هَل تابعت مباراة مِصْر والكونغو التي أهلَتْ المنتخب المصري للصعود لكأس العالم؟ قطعًا تابعتها بشكل أو بآخر، إذ لم يَكُن مِن خِلال التليفزيون أو الراديو أو شبكات التواصل الاجتماعي، أو صيحات المشجعين التي هزّ صداها الحجر قبل البشر عندما أحرزت مِصْر هدفًا، أو في لحظة السكون التي أعقبت هَدَف الكونغو ، بالتأكيد تابعته في الفرحة التي سكنَت في عيون النّاس.
المباراة ما هي إلا محاكاة لِما يَحْدُث في حياتنا، كل دقيقة من الـ90 دقيقة زمن المباراة مرت وكأنها عام مِن أعوام عُمرَك مليئة بالأمل والرجاء المغلف باليقين وَلَكِن يواجههم – ببسالة- التشكيك..!
صبرٌ جميل استمر سنواتً طويلة وكادَ ينفد في الدقائقِ الأخيرة، اعتقدنا أننا نلفُظ روح الانتصار رويدًا، فإذا بالهزيمة تخِر فجأةً كجثةٌ هامدة.
دائمًا ما يسبب اللهُ الأسباب، ويقسِم الأرزاق، فالفَرْح قِسمَة، والفَرَجْ نصيب، والمقادير كتابًا موقوتًا على رِقاب العِباد، وَلَكِن كُل هذا ما هو إلا "جزاء سعيك".
فوَعْدْ اللهِ حق، ولقد وَعَدْنا الْحَق بأن ليس للإنسان إلا ما سعى، والفِطرة الإنسانية البسيطة على ألسنة الأجداد تركت لنا نفس الموروث، "اسع يا عَبْد وأنا أسعى معاك"، ولم يحدد الله لنا عددًا لساعات أو سنوات السعي، ولَم يحاول الأجداد خداعِنا بتحديد زمن تقريبي للسعي، فالحياة دَار سَعْي، وَنَحْن أبناء الحياة وعلينا الالتزام بقوانينها، والامتثال لقواعِدها لنخرِج مِنها بما سعينا لَهُ.
وتذَكَر أن هدف الانتصار لم يُحرَز إلا في الوقت بدل الضائع، عندما ضاقت حلقة الأمل حتى لم تعد قادرة على تمرير بصيص مِن النور، فإذا بشمس الفرح تغمُر القُلُوب، لنتذكر أن التوأم المتلاصِق "فرح وفرج" موجودان دائمًا بقربِك وَلَكِن لقائهما بحاجة لسعيك وإن طال، وإن لم تصدقني فاسأل "صلاح"..!