الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البديل يجمع اليهود والمسلمين


لا شك أن المتابع لما يجري في القارة العجوز يدرك دون كثير عناء تقدما واضحا للتيار الشعبوي، فلقد شهد العام المنصرم ٢٠١٦ تقدما نوعيا لهذا التيار في أوروبا وأمريكا، وأظهرت النتائج أن هناك تمددا لليمين المتطرف في البلاد الأوروبية، ولقد جاءت معركة الانتخابات النمساوية والتي حسمها ألكسندر فان بللن مرشح حزب الخضر على نظيره مرشح اليمين المتطرف هوفر بفارق طفيف مؤكدة لذلك.

ولم تبتعد كثيرا الانتخابات التي جرت في شهر مارس الماضي في الأراضي المنخفضة، حيث في السباق الانتخابي الهولندي دارت معركة حامية الوطيس بين حزب يمين الوسط بزعامة رئيس الوزراء مارك روته، وحزب الحرية بزعامة الشعبوي خيرت فيلدرز المناهض للهجرة وأكبر المعادين للإسلام والذي طالب بحظر القرآن الكريم أسوة بحظر كتاب "كفاحي" السيرة الذاتية للزعيم النازي أدولف هتلر، كما تعهد خلال حملته الانتخابية بخروج هولندا من الاتحاد الأوروبي وإغلاق جميع المساجد.

وإن نجت الانتخابات الفرنسية التي أتت بماكرون من صراع قوي توقعه البعض بين المنافسين لوبان وماكرون، وإن لم يمنع ذلك ملامح لصعود اليمين المتطرف في دولة عاصمة النور "باريس".

أما الانتخابات الألمانية فكان صعود تيار اليمين المتطرف واضحا بما يدفع لأرق وخوف الأحزاب السياسية الأخرى في المانيا ذاتها، وما يدعو إلى هلع في أوساط الجاليات الأجنبية – ليس في المانيا فحسب، بل في أنحاء القارة العجوز – جميعا، والإسلامية والعربية على وجه الخصوص.

فبالنظر إلى النتائج الرسمية غير النهائية للانتخابات الألمانية حيث صدرت صباح يوم الاثنين النتائج الرسمية المؤقتة للانتخابات الألمانية مشيرة إلى فوز أدنى من التوقعات للمحافظين بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل التي تشغل بذلك منصب المستشارية الألمانية لولاية رابعة، ذلك الذي يشترط فيه التوصل إلى تحالف حكومي أصبح معقدا بدرجة كبيرة، ما يؤكد أن فوز حزب المحافظين بزعامة ميركل بغالبية الأصوات، يعد فوزا بطعم الخسارة، لسبب رئيسي تمثل في إعلان حزب الاشتراكي الديمقراطي عزمه الانتقال إلى المعارضة، ذلك الذي لابد ان يدفع ميركل إلى اللجوء لتحالف ثلاثي مع المسيحيين والليبراليين والخضر، وهو ما رآه المراقبون ينذر بجولة مفاوضات صعبة للغاية نتيجة للتباينات الضخمة بين الأحزاب الثلاثة في رؤيتها المقترحة لملفات هامة ومؤثرة مثل البيئة وقطاع العمل.

ولعله من المناسب أن نتوقف على النتائج الدقيقة للانتخابات، مع مقارنتها بتلك التي جرت منذ اربع سنوات، ذلك الذي يضعنا أمام المشهد والمتغيرات التي حدثت في الساحة الألمانية؛ الأهم أوربيا، والتي أفرزت مشهدا جديدا يتصدره حزب البديل الشعبوي حيث جاءت النتائج:
١- المحافظون (الاتحاد المسيحي الديموقراطي وحليفه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي): 33% بنسبة أقل (-%8,5) وهي نسبة كبيرة، جاءت بكل تأكيد معبرة عن رفض قطاع من الناخبين الألمان لسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وعلى رأسها سياسة الباب المفتوح التي اعتمدتها مع ملف اللاجئين، والذي تم استغلاله من قبل منافسيها
٢- الاشتراكيون الديمقراطيون (الحزب الاشتراكي الديمقراطي): 20,5% (-5,2)
٣- البديل من أجل ألمانيا: 12,7% بزيادة (+%7,9) وهذا يؤكد من جانب ما أنه استحوذ على الأرض التي استطاع أن يزيح منها حزب ميركل، إضافة لأنه يعكس زيادة النعرة الشعبوية الكارهة للأجانب
٤- الليبراليون (الحزب الديموقراطي الحر): 10,7% (+5,9)
٥- اليسار الراديكالي (دي لينكه): 9,2% (+0,6)
٦- الخضر: 8,9% (+0,5)

إذًا من هذا العرض السابق نلحظ دون عناء أن الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب البديل من أجل ألمانياAlternative für Deutschland)) والذي تأسس فيبرلين في 6 فبراير 2013 كرد فعل على سياسية إنقاذ اليورو.

وكما قلنا سابقا فإن الحزب يُصنَّف منذ 2014 في الجانب اليميني من الطيف السياسي، وتوصف السياسات التي يتبناها بأنها تحمل توجهات يمينية شعبوية أو متأثرة باليمين الشعبوي. وبعد تغير قيادة الحزب في يوليو 2015 توجه الحزب أكثر نحو اليمين وذلك بعد نجاح الجناح القومي المحافظ على الجناح الليبرالي اقتصاديًّا داخل الحزب.

ومن أهم قرارات الحزب التي كشفت بسفور كبير عن توجهاته ما أعلن في 13 مارس 2016، من إدراج منع الحجاب في الجامعات والمؤسسات العامة ضمن برنامجه الانتخابي، وكذلك منع ختان الأطفال المسلمين واليهود.

وبمجرد أن أعلنت نتيجة الانتخابات الألمانية وجدنا رد فعل يهودي واضحا حيث أعرب المجلس المركزي لليهود عن قلقه لدخول حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي إلى البرلمان، وذكر "إنها المرة الأولى التي يدخل فيها حزب يمين شعبوي على تداخل كبير مع المشهد اليميني المتطرف إلى البرلمان الألماني.

وقال رئيس المجلس، أنه ينتظر من الأحزاب الأخرى في البرلمان "أن تكشف الوجه الحقيقي لحزب البديل وتفضح وعوده الشعبوية الخاوية"

وكان للمؤتمر اليهودي الأوروبي موقف سريع حيث أعرب هو الآخر عن قلقه من النتيجة الكبيرة التي خرج بها حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات البرلمانية الألمانية.

واستحث الأحزاب الألمانية على عدم تمثيل اليمين المتطرف في أي ائتلاف فأخرج بيانا ذكر فيه: "نحن واثقون في أن الأحزاب الأخرى في البرلمان الألماني ستكفل عدم تمثيل اليمينيين الشعبويين في أي ائتلاف مستقبلًا". واعتبر المؤتمر أن "تصريحات البديل من أجل ألمانيا تأتي من مستوى يثير القلق من عدم التسامح، لم تشهده ألمانيا منذ عقود".

ولم نجد موقفا من هذه النتيجة من المسلمين: أفراد أو مؤسسات، في ألمانيا ولا في أوروبا ما يؤكد أن العمل الإسلامي لا يزال بعيدا الإتيان بواجباته، ولا يزال لا يستطيع أن يتعامل مع القضايا كما ينبغي.

ولعله من المناسب أن نذكر في نهاية هذا المقال أن حزب البديل أعلن أنه سيسعى إلى تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الانتهاكات القانونية للمستشارة أنجيلا ميركل فيما يتعلق بأزمة اللاجئين في ألمانيا، والتي تضر بالدرجة الأولى العرب والمسلمين، والتي أعلنت ميركل أنها على استعداد للتعامل مع هذه اللجنة وأن موقفها من القضية لا تشوبه شائبة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط