الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من بلد المعز نقول .. الست فيولا ٢


عندما تنظر الى مرآتها كل صباح قبل ان تغادر منزلها الى شارع المعز حيث تفترش الارض وتبيع السبح والخواتم والغوايش وكل ما ييسر لها الحياة ،كانت عندما ترى وجهها فى مرآتها تقول ..صبحنى بكل الخير ياربى .. وتنزل الى الشارع حيث ينتظرها عم احمد جارها الذى تعتبره اخا لها وهو يعدها اختا ورمزا من رموز التحدى والعطاء.

فهى لم تتزوج ووهبت نفسها لأسرتها بدءا بأبويها اللذين اخذ منهما المرض كل شىء ولم يبق لهما سوى عيون تنظر الى السماء تشكر الرب على محنه قبل منحه ، ولم تمل ايفون ولم تتأفف لانها كبيرة اخوتها الستة بنين وبنات ولم ترض ان تمد يدها فكانت عزيزة ابية .. فى الصباح فى المدرسة وفى الظهيرة فى المنزل تعد الطعام لاسرتها وترتب كل شىء وتوصى صغارها كما كانت تسميهم بكيفية الحياة فى المنزل وخارجه حتى تعود لهم من عملها الذى دلها عليه حارس المدرسة .

وهكذا مضت سنين عمرها بين العمل والمنزل حتى أتمت تعليما متوسطا اختارته رغم تفوقها لتوفر ما ستنفقه لاخواتها وبالفعل تدرجوا فى التعليم وكانت توفر لهم كل ما يحتاجونه وكانت الكنيسة تمد لها يد العون كلما تيسر وتقرر ، كبروا كلهم واختاروا حياة كانت ترفضها لنفسها من اجلهم ولكنهم لم يفكروا فيها كأنثى، كامرأة ، كفتاة فقط كانوا يرونها بديلا لأمهم وابيهم اللذين توفيا وهما راضيين عن فيولا كل الرضا . وبما انها كانت فى نظرهم اما وابا فلم يتركا لها باب اختيار ان تكون زوجة بل ولا حتى حبيبة فقد اغلقوا عليها كل الابواب التى فتحوها على مصراعيها لهم فقد تزوجوا ومنهم من هاجر ومنهم من استقر فى نفس مكان اقامتها ولكنه لم يعيها قدرا من اهتمامها به وبهم عمرا، فقط كان كل مايفعله قليلا من الاموال فى المناسبات والاعياد مع برقية معايدة يذيلها بـ "أبقاكِ الرب لنا ذخرا ونهرا من العطاء".

لم تشكُ فيولا يوما من قسوتهم ولم تقل كلمة سوء فى حقهم فقط كانت تردد بينها وبين نفسها كلمات الرضا بقضاء الله وقدره . وحينما كانت ترى من احبته يسير مع ابنائه وتتذكر انه طرق ابواب اخوتها كلهم ورفضوا ولا تدرى لماذا رفضوا لها ما اطاعوه وطوعوه لهم ونفذتهم هى لهم ، وتحزن عندما تتذكر كلمات حبيبها بأنهم انانيون لم يفكروا الا فى انفسهم وانت بالنسبة لهم مجرد سكن ووقت ، وتأكد لها صحة كلامه فقد تركوها ولم يعد يسأل عنها سوى جيرانها وأولهم اسرة عم محمد الذين كانوا يعتبرونها اختا واما وابنة لهم ..

مضت فى طريقها الى شارع المعز وعندما وصلت الى فرشتها دعت نفس دعائها الذى تدعو به ربها منذ نصف قرن واستقبلت المشترين بابتسامة ومداعبة ونظرت الى هاتفها لتجد رسالة من اخوتها المغتربين بأنهم قادمون اليها لقضاء اجازتهم..  تبع هذه الرسالة، رسالة اخويها المقيمين فى مصر بالاعتذار عن الحضور هذا العيد لانشغالهما. وبين ضحكها وحزنها امسكت بهاتفها وكتبت فى الرسائل الى من احبه هل انت راض عنى؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط