تجتمع حاليا دول تجمع البريكس بمدينة شيامن الصينية في إطار قمتها التاسعة، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي وهي عاقدة العزم على المضي قدما لتحقيق هدفين رئيسيين، الأول: خلق منظومة مالية عالمية جديدة، تنهي التحكم الظالم في النظام الاقتصادي العالمي من جانب صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين تهيمن عليهما الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية منذ نحو 70 عاما.
أما الشق الثاني من هدف تجمع البريكس، الذي يضم الدول الخمس الأسرع نموا في العالم، فهو إقامة نظام عالمي جديد يتسم بالعدالة التامة من خلال الإطاحة بالنظام أحادي القطبية الحالي الذي تهيمن عليه أمريكا، بإحداث ثورة جيوسياسية تصب في مصلحة كل دول العالم بما فيها الدول النامية والفقيرة.
وتجتمع هذه المرة دول البريكس الخمس، (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا)، في شيامن، وهي بالفعل مسلحة ببنك رأى النور خلال القمة السابعة للبريكس بالبرازيل سنة 2014، برأس مال قدره 100 مليار دولار، فضلا عن صندوق للعملات بنفس القيمة. وسوف يسمح هذا البنك الجديد والصندوق للدول المساهمة في رأس مالهما بالتعامل فيما بينها بعملاتها المحلية إذا رغبت في ذلك، بعيدا عن الدولار الذي يعد العملة النقدية الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945.
وتأمل هذه الدول الخمس، أن يكون الصندوق والبنك الذي أطلق عليه بنك التنمية الجديد ويتخذ من مدينة شنجهاي الصينية مقرا له، مؤسستان ماليتان موازيتان لصندوق النقد والبنك الدوليين قبل أن يتمكنا بمرور الوقت من الإطاحة بهما من عرشهما، خاصة بعد أن ينمو رأس مال البنك والصندوق بمساهمة رؤوس أموال جديدة من جانب دول غير أعضاء في تجمع البريكس.
وتتوقع مجموعة البريكس نجاحا ملحوظا لبنكها وصندوقها النقدي من منطلق أنهما سيعملان على إقامة مشروعات تنموية في مجال البنية التحتية، والمشروعات العملاقة، والمتوسطة، والصغيرة، على حد سواء ليس فقط في الدول الخمس المؤسسة للتجمع ولكن أيضا في الدول النامية والفقيرة الراغبة في التعامل معهما دون شروط مجحفة أو إملاءات سياسية كما اعتاد أن يفعل صندوق النقد والبنك الدوليين في تعامله مع هذه الدول.
ويرى مراقبون، أن محاولة الغرب وعلى رأسهم أمريكا النظر بسخرية لمجموعة البريكس على أساس أن مصيرها للزوال، لا يرتكز على أية حقائق، فالتعاون بين دول البريكس، شهد قفزة هائلة منذ إنشاء المجموعة منذ 15 عاما، ليرتفع من 12 مليار دولار سنة 2002، إلى ما يقرب من 300 مليار دولار سنة 2016.
كما تستحوذ دول البريكس على 1500 مليار دولار (15 ترليون دولار) من الناتج الإجمالي العالمي بما يعادل 25 في المائة من الناتج العالمي، وتتدفق نصف الاستثمارات العالمية باتجاه دول البريكس التي يزيد عدد سكانها عن 3 مليار نسمة، يمثلون نحو 40 في المائة من سكان العالم، وتشغل أراضيها نحو 30 في المائة من يابسة العالم، والأهم من ذلك أن دول البريكس تمتلك احتياطا تقديا قدره 5000 مليار دولار تحتكر الصين منه 3200 مليار دولار.
وسوف يهتم بنك التنمية الجديد والصندوق التابعين لتجمع لبريكس بتمويل البنية التحتية ومشروعات التنمية المستدامة في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية التي تجد نفسها مرغمة في التعامل مع شروط غالبا ما تكون مجحفة من جانب صندوق النقد والبنك الدوليين لعدم وجود بديل لهما.
ومن جانبها تعمل الصين على استغلال قمة البريكس الحالية، للترويج لطريق الحرير الجديد، الذي أعلن رئيسها تخصيص نحو 900 مليار دولار لتحقيقه، ويقوم طريق الحرير الجديد على شبكة من السكك الحديدية فائقة السرعة، والموانئ، وشبكات الألياف الضوئية، وأنابيب لنقل الغاز والبترول، وشبكات من الطرق في جنوب شرق آسيا، وأسيا الوسطى، وطريق بحري على المحيط الهندي على أن يكون محور تنمية قناة السويس أحد أهم محطات طريق الحرير.
وفي إطار حشد رأي عام عالمي لنظامها العالمي المأمول، تقوم إستراتيجية تجمع البريكس على الترويج لإقامة نظام متعدد الأقطاب، يكون أكثر عدالة، ولا يتدخل في شئون الدول أو يعمل على تدميرها، في استغلال ذكي للغضب العالمي من السياسة الامريكية التي أسفرت حتى الآن عن تدمير العديد من الدول، على رأسها أفغانستان، والعراق، وإثارة الحروب في ليبيا، وسوريا، واليمن، فضلا عن التدخلات في السياسات الداخلية للدول لا سيما في أمريكا اللاتينية.
وتحاول دول البريكس خاصة الصين وروسيا إزالة أية مخاوف من توجهات إستراتيجية التجمع الجديد، بالتأكيد على أن البريكس، لن يكون نظاما بديلا للنظام الغربي القائم على الهيمنة بل سيكون نظاما عادلا يستهدف النهوض بعمليات التنمية في جميع دول العالم.
وتستند الصين في دعايتها لهذا النظام على أنها لم تكن في يوم من الأيام دولة استعمارية، فيما ترتكز الدعاية الروسية على أنها دائما ما كانت حائط الصد في وجه الإمبريالية والفاشية.
والسؤال الآن هل ستنجح دول البريكس في تحقيق هدفيها؟ الإجابة هي أن كل الشواهد تؤكد ذلك، فالصين هي مصنع العالم وروسيا تمتلك أكبر احتياطي من الثروات النفطية في العالم، والهند تعد أفضل دول العالم في مجال تكنولوجيا البرمجيات، والبرازيل أصبحت أكبر مصنع للوقود الحيوي من خلال ثروتها الزراعية في حين أن جنوب إفريقيا هي أكبر اقتصاد في إفريقيا قبل مصر التي تحتل المرتبة الثانية، إضافة إلى ذلك أن كثير من دول العالم تأمل في مولد نظام عالمي جديد، أكثر عدالة، يصب في مصلحة الجميع وليس في مصلحة طرف واحد كما هو الوضع حاليا.