لم نتصور في أفضل حالتنا رومانسية وتفاؤلا أن نتحدث عن بنية تحتية وشبكة طرق تربط بين شرق العاصمة وغربها وشمالها وجنوبها كما نتحدث اليوم، محور روض الفرج والدائري الإقليمي والزراعي الجديد ومحور الضبعة والذي يربط بين الساحل الشمالي حتى طريق السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها من المحاور والطرق التي قد نعجز في وقت ما عن تحديد مسمياتها حتى أطلقت على أحد تلك الطرق محور 21 مارس نتيجة لارتباطها عندي بحدث هام في هذا التاريخ، وكذلك هذا الكم الضخم من الطاقة المتولدة من محطات الكهرباء الجديدة التي أسست وربطت بالشبكة الرئيسية في وقت قياسي من العمل الجاد الذي كان ولايزال يؤهل لمرحلة انطلاق جديدة للاقتصاد الوطني.
السؤال الذي طالما أسأله لنفسي ويسأله القاصي والداني، وماذا بعد كل تلك البنية التحتية والطرق، ماذا عن تلك الأموال الضخمة التي نزفها الاقتصاد الوطني في سنوات قليلة للقيام بهذا الكم من المشروعات في وقت يعاني منه الاقتصاد المحلي من بطء في معدلات النمو والتنمية وكذلك تضخم كبير في عجز الموازنة الذي لم تستطع برامج الإصلاح الاقتصادي المختلفة كبح جماحه أو تقليصه؟ وهل سيعود نفع مباشر وسريع على مؤشراتنا الاقتصادية أم ستظل تلك المشروعات خدمية لا تعامل معاملة الأصول المنتجة؟
تلك التساؤلات المشروعة للغاية لا يجب أن نبحث عن إجابات لها، ولكن دعوني أطرح مباشرة تصورات قد تحقق بشكل سريع طفرة نوعية في قدرة الدولة على تحويل جميع تلك المشروعات لأصول منتجة لمعدلات نمو وتنمية حقيقية يتحول بها هذا الكم الضخم من الأموال التي دفعتها الموازنة العامة للدولة من مصروفات لاستثمارات، وذلك من خلال إعادة صياغة محترفة ومنطقية لفكرة استثمار الدولة في أصولها الثابتة، عبر شراكة منطقية كما نسميها في مجتمع الأعمال win to win أو أن يربح جميع الأطراف.
لا أتحدث فقط عن هذا الكم غير المحدود من الأراضي التي تحولت بفعل تلك المشروعات لقيمة استثمارية أكبر، ولكن أتحدث عن كم المشروعات التي فشلت على مدار سنوات مضت، سواء تلك التي تدار من قبل القطاع العام أو الهيئات والشركات التي تملكها الدولة.
هناك تجارب نجحت وبرزت في الفترة الأخيرة لشركات حكومية استطاعت أن تنافس وبشكل جاد في أن تصبح كيانا ضخما حقيقيا قادرا على منافسة القطاع الخاص في تحقيق الربحية كاستثمار والقيام بدورها في تحقيق التوازن المطلوب في السوق، ولكن في المقابل لدينا حجم ضخم من الشركات والأصول التي تنزف من الخسائر وعدم القدرة على تحقيق أرباح أو على الأقل لا تكلف الدولة من ميزانيتها التي تعاني في الأصل.
النموذج الناجح اعتمد على كفاءات من القطاع الخاص، وأؤمن أن اليوم لن ينصلح حال ما تبقى مهما حاولت الإدارات المتعاقبة على فك طلاسمها أن تحقق مثل هذا النجاح دون أن تستفيد من القطاع الخاص بشراكته في إدارة تلك الأصول (وليس خصخصتها وبيعها)، والاستفادة من هذا الحجم الضخم من الموارد غير التقليدية للحصول على تمويلها سواء من خلال طرح حصصها للاكتتاب العام حتى تصبح البورصة مصدرا حقيقيا للتمويل الجاد، أو من خلال توفير تمويل باستخدام باقي الأدوات المالية غير المصرفية الأخرى كالتأجير التمويلي والتخصيم والتوريق وغيرها.
الإدارة المتخصصة التي ستعمل على تحقيق أكبر استفادة من هذا الحجم من الأصول لن تكلف الدولة المكبلة من جميع الجوانب، ولكن ستعمل بكل ما تملك من خبرات وقدرات على تحقيق أكبر ربحية ممكنة حتى تستفيد من وجودها على رأس تلك المشروعات، أعلم بل أقتنع أن هذا التصور أفلاطوني عند بعض المسئولين في الدولة، ولكن إذا كنا نرغب في التطوير الحقيقي لا يجب أن نظل نتعامل بنفس الحلول التقليدية التي سنصل من خلالها إلى نتائج لن تقل عما سبق ووصلنا إليه على مدار سنوات طويلة.
الأمل أن نفكر خارج الصندوق، نعمل بإطار جديد، نذيب هذا الكم من القيود التي كانت في الفترة الأخيرة ذات تأثير سلبي على حلم لم ولن يموت مهما كانت الضغوط الأخيرة غير مسبوقة، الحلم لم ولن ينتهي.