يتزامن اليوم مع ذكري تولي المأمون ابن هارون الرشيد الخلافة في الدولة العباسية بعد مقتل أخيه الأمين، وهو سابع الخلفاء العباسيين،شهد عصره نهضة علمية وفكرية، كانت العلوم هي أولى اهتماماته، فاهتم بالعلماء وإرسالهم في بعثات، وشهد على كثير من الاختراعات التي بفضلها تم التعرف على حقائق عن الأرض وماهيتها، واهتم بالترجمة وضرورة النقل عن الحضارات الأخرى.
ولد المأمون وهو عبدالله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس، في عام 710 هـ، 786 م، وتولى العهد بعد صراع طويل الأمد مع أخيه الأمين، فبعد وفاة هارون الرشيد أوصى بأن يأخذ البيعة الأمين وهو الابن الأكبر له، وأوصى أيضا بأن يخلف المأمون أخاه الأمين، ولكن الأمين خالف الوصية وخلع أخاه من ولاية العهد وعين ابنه موسى من بعده.
وبعد عودة المأمون من خراسان، وعلمه بمخالفة اخوه لوصية الأب، أخذ البيعة من أهالي خراسان وتوجه بجيش لمحاربة أخيه، واستمرت الحروب بينهما لمدة 4 سنوات، إلى أن استطاع المأمون استرداد الحكم بعد محاصرة بغداد والتغلب على أخيه الأمين بقتله.
شهد عهد المأمون تطور علمي واهتمام ملحوظ بأكثر من مجال خاصة المجالات العلمية والفكرية، حيث شجع على الاهتمام بالعلوم ودراستها كالطب والفلسفة والرياضيات والفلك، وأسس "جامعة بيت الحكمة" في بغداد في عام 830 م، والتي كانت بمثابة صرح علمي كبير، وكان بيت الحكمة بمثابة معهد علمي يحتوي على مكتبة لنسخ الكتب، وقسم آخر لترجمة الكتب الأجنبية.
واهتم العلماء في عصره بالإختراعات والمبتكرات الحديثة، حيث اخترعوا آلة "الاسطرلاب" وهي بمثابة آلة فلكية، لقياس ارتفاع الشمس عن الأرض، مما مكنهم من تقدير الليل والنهار، واستطاعوا أيضًا قياس محيط الأرض واعترفوا بكرويتها، واهتموا بنقل العلوم عن الحضارات الأخرى من خلال الترجمة، ونقل العلوم والآداب الفارسية واليونانية والسريانية إلى العربية، وتحولت اللغة العربية في عصره من لغة مقتصرة على الشعر والأدب إلى لغة علم وفلسفة.
وأرسل المأمون بعثات من العلماء إلى القسطنطينية و قبرص للبحث عن الكتب النادرة من الحضارة اليونانية، ونقلها إلى بغداد، وشجع على البحث العقلي في المسائل الدينية، تأكيدا على أنه لا تعارض بين العلم والدين، ومن أشهر العلماء في عهده أبو عثمان الجاحظ، ومن أهم علماء الفلك الذين عاصروه محمد بن موسى الخوارزمي.
اتسمت فترة خلافته بالكثير من التناقضات، فكان يميل إلى الفرس ويتعاون مع العلويين ويجتمع بأهل السنة، وكانت لهذه التناقضات ميزة في جعل فترة حكمه مرنة خالية من المشاحنات بين أي فصيل أو جماعة، حتى فترة تعاونه مع العلويين وتحويل لون شعار الدولة العباسية من اللون الأسود إلى اللون الأخضر وهو المستخدم في شعار العلويين، ونشب عن هذا التغيير الكثير من الخلافات.
وأثناء تواجد المأمون في أراضي الدولة البيزنطية في آخر غزواته، تحديدا في مدينة البدندون شمال طرسوس أصابته حمى أودت بحياته، وتوفى في 18 من رجب سنة 218 هـ، ودفن في طرسوس.