الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الصداقة تعني الكثير


طرقت باب صديقتها فى أولى نسمات الصباح ففتحت لها وهى مفزوعة ، وعندما دخلت اليها سألتها عن ابنها أمجد ألم يأتِ عندهم ؟ وألحت فى السؤال وقالت لها الواد مرجعش وبأكلمه موبايله مقفول ، وسألت صحابه محدش بيرد عليا ..قلت يمكن جه عندك وقعد مع الولاد وراحت عليه نومة.. وتستكمل حوارها وتسألها وهى ترتعد:

صحيه ياعبير عشان واحشنى وعايزه آخده فى حضنى ونحضر الفطار مع بعض ، فتنظر لها صديقتها وعيناها تدمع وتقول لها ياحبيبتى هو جه لعب بلاى ستيشن مع الولاد وهمه دخلوا ناموا وهو قال انه هينزل يتمشى شويه ويشترى عصير ليكى ويطلع يحكيلك عن يومه.فتصرخ وتقول لها ماجاش تعالى معايا ندور عليه وتستجيب لها صديقتها ويبحثون عنه ويسألون كل الجيران وتعودان من حيث جاءتا.

ولم تكن هذه هى المرة الاولى التى تطرق بابها والتى تنزل فيها معها بحثا عن أمجد الذى اختفى منذ عشر سنوات ولم يعد الى البيت بعد سفره مع اصدقائه الى احد الموانئ وعاد معهم ولكنه لم يعد لبيته ولم يستدل عليه ولم تنجح الشرطة ولا الاسعاف ولا أى جهة فى ايجاده ولو حتى ميتا لتطوى امه صفحته وتعلم مكانه ومدفنه وتزوره ، ومنذ هذا اليوم وتبدل حال الاسرة كلها.. الابن صار منطويا حزينا ،الابنة صارت صلبة متحجرة المشاعر لا تحزن لاى فراق ولا ترق لأى موقف عاطفى ، أصبح الموت لايهزها والفقدان لا يزعزعها واصبحت تفسر كل الاحداث بمعان متحجرة.

الأب عزل نفسه وعاش لها ولم يعد منتميا لهم كل ما اصبح يربطه بهم المطالب المادية فقط ،اما هى فقد ذهب عقلها ولم تصدق فقده ولا ترضى بتصديق احتمالية موته فقط كانت ترتب حجرته كل يوم على امل عودته وتسأل اصدقاءه كل ساعة عنه وتأتى اجابتهم كما هى من عشر سنوات بأنهم لا يعلمون عنه شيئا منذ عودتهم من سفرهم ، وعلى الرغم من ان بعضا منهم تزوج واخرين فى طريقهم الى الزواج الا انها كانت تعاملهم كصبية من منطلق السن الذى فارقها فيه بكرها امجد والذى كان حينها قد أتم اعوامه الستة عشر .

ولأنها لاتصدق عدم عودته فقد أقنعت نفسها بأنه تائه وعليه فعندما يشتد بها الحنين وتتعاظم اوجاع الفراق تهب من شقتها وتجرى الى شقة صديقتها عبير وتقص عليها نفس الكلام وتأخذها معها لتبحثا عنه فى نفس الاماكن وتسألا نفس الاشخاص الذين يقابلون أسئلتهما منذ عشر سنوات بنفس الاجابات وبنفس المشاعر الحزينة، الغريب ان عبير لم تخذل صديقتها يوما ولم تتأفف من سؤالها وكانت تبكيها دوما وتحاول ان تخفف عنها وهو الامر الذى ازعج ابناءها وزوجها ولكنه لم يثنها عن وفائها لصديقتها. وبالامس طرقت صديقتها الباب ولكنها لم تكن حزينة بل بالعكس ملامحها راضية ووجهها متبسم ،والامر كان بحاجة لتفسير وتوضيح فسألتها وهى سعيدة لسعادتها ..

ادخلى تعالى خدى نفسك وهاالبس وننزل ندور على امجد .وهنا فاجأتها ام امجد وقالت لأ انا جاية اقولك انى هااروحله وجيت اسلم عليكى ،فتندهش عبير وتسألها ازاى وفين وامتى احكيلى، فتجيبها وهى ترقص فرحا شفته امبارح وهو فى القصر بتاعه وقالى تعالى ياماما انا مستنيكى بكرة بعد اذان العصر، فأنا وضبت الشقة وكلمت الولاد وحضرت شنطتى وجيت اسلم عليكى وهااصلى العصر وانزل اروح له ، فسألتها عبير تروحيله فين ؟فتجيبها اكيد هييجى تحت العمارة ياخدنى او يبعت سواق ياخدنى ، ده عايش فى قصر ماشاء الله عليه باين ربنا استجاب لدعايا وفتحله ابواب الرزق على وسع وماكانش تايه ولاحاجه ده كان بيبنى مستقبله وكمان اكيد ماكانش بيكلمنى عشان عايز يفرحنى وياخدنى معاه على طول ،هو عارف انى باحبه اكتر من الدنيا كلها وكمان عارف انى هااسامحه على كل حاجه حتى بعاده.

وتصمت وتقبل عبير التى تصر ان تصعد معها الى شقتها حتى تتم معها احضار كل مايلزم السفر وهناك تجد كل شىء معدا وثمة خطابات موضوعة فى كل مكان له صاحب ، خطاب لزوجها واخرين لابنتها وابنها وخطاب كتبته لربها وقالت لعبير انا قلتله وانا باصلى بس ياريت تبعتيه بالبريد برده،وتاخذ عبير الخطابات كلها وتنزل الى شقتها وترسل الخطابات الى ذويها وتقف فى الشرفة وتوجه حديثها الى السماء لتقرأ ما كتبته ام امجد التى رحلت الى حيث الابدية وحيث تجد روح من سبقها منذ عشر سنوات ولم يخبرها الكل بموته فى حادثة ودفنه دون علمها وتعذبها وعذابها وفقدان عقلها عليه .

وتقرأ عبير ما قالته وهو..انى قادمة اليك وكلى لهفة لاحتضان ابنى ..سامحنى يا ربى لاننى لم اكن عابدة كما ينبغى ولكنى كنت زاهدة فى كل ما يغضبك منى ، وايضا سامحنى اذ قلت لك دوما لماذا انا من تقتلع قلبه ؟ ولماذا انا من تعيي دربه ؟سامحنى لاننى وان كنت احبك الا ان حب ابنى كان يجعلنى أتشكك فى مقدار حبك..سامحنى واحسن ضيافتى ولا تحرمنى من استضافتى مع ابنى.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط