الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تحية لوزير الأوقاف


في زاوية بقرية ميت مرجا سلسيل التابعة لمدينة الجمالية بمحافظة الدقهلية أديت صلاة الجمعة الأولى لي بمصر في إجازتي السنوية.

تلك الزاوية التي اعتدت أن أصلي فيها نظرا لقربها من بيتي، حيث كانت خطبة الجمعة تمثل عبئا وتحديا: في أن أتحمل ذلك الصوت العالي من الخطيب الذي يتصبب عرقا من فرط انفعالاته التي غالبا لم يكن لها مبررا إلا هدف ذلك الخطيب من ملء نفس وقلب وعقل السامع بالهدف من تلك الخطبة التي كان يختارها ذلك الخطيب والتي تخدم الأيدولوحية التي يؤمن بها بعيدا عن المصلحة العامة للبلاد من ناحية، أو مستقبل شباب في مقتبل العمر، هو متحمس بطبعه، من ناحية ثانية.

كانت خطبة الجمعة - سابقا - مليئة بكم هائل مما ليس، على أقل تقدير، من صلب وأساس الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، لأنه أُرْسِل كذلك، لم تكن، في الكثير من الأحايين تعالج قضية آنية، ولكن كان الخطيب يجتهد في الإتيان بأشياء غريبة عجيبة، أحيانا بهدف إيهام المستعمين "المصلين" ببراعة في الخطابة، وعلم غزير، وإن كان بقليل من العلم ينكشف أمره، حينما ينصب الفاعل ويرفع المفعول به، ولكنه لم يكن يستهدف هؤلاء الذين يعرفون حركات الإعراب لأركان الجملة، ولكنه يستهدف الذين يأخذهم على جناح الجهل إلى عوالم غير تلك التي نعيشها الآن.

خطبة الجمعة الأولى لي هذا العام في تلك الزاوية أثبتت - إذا كانت مُعَمَّمة على كافة المساجد - صواب رؤية الدكتور محمد جمعة وزير الأوقاف في نقل "الخطاب الديني" - الذي له مفهوم آخر وأدوات أخرى وليس فقط اختيار موضوع الخطبة، بل تنقية ما علق في الدين الصافي مما ليس منه، أقول نقلت الخطاب الذي لم ينق بعد، خطوة للإمام إلى أن يتم البحث والدرس والوصول إلى الصيغة والخطاب الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف.

تناول الخطيب، الذي للأسف لم يتمتع بالبلاغة، ولا باللغة الرصينة، ولا باللسان الطلق، تناول في موضوع الخطبة دور الشباب في المجتمع، وكيف أن الأمم لا تبنى إلا على أكتاف هذا العنصر الذي هو الداعمة الأولى في نهضة أية أمة.

هناك في تاريخنا الإسلامي العديد من النماذج التي يستطيع ذلك الخطيب، بقليل بحث، أن يسوقها، وأن يضرب بها المثل تلو الآخر، ولكنه اكتفى بأشهر تلك الأمثال وهو أسامة بن زيد، وتوقف عند تَأْمِير الرسول صلى الله عليه وسلم له وأعاد على الأسماع القصة دون براعة كبيرة.

وعلى الرغم من ذلك، فلقد استطاع ذلك الخطيب أن يصل لعقول الناس بالتخلي عن الانفعالات المفتعلة، واختيار الصوت الهادئ عوضا عن ذلك الصراخ الذي كان يصم القلوب قبل الآذان الذي يتبعه هؤلاء الخطباء الذين يسعون للسيطرة على عقول مستمعيهم، لا على تحرير تلك العقول مما علق منها من مفاهيم خاطئة نسبوها ظلما إلى ديننا الحنيف.

يبقى على وزارة الأوقاف بقيادة الوزير محمد جمعة أن تستحدث طرائق لاستفزاز ملكات الخطباء، بحيث يصلون للتجويد المطلوب لتلك الخطب التي تمس حياة الناس، وتلك التي تعمل على تشكيل الشخصية المسلمة المعاصرة، على أن تكون هناك لجان لتقييم أداء هؤلاء الخطباء، حيث تمنح تلك الحوافز لمن يستطيع بالفعل أن يرتقي بأدائه، ومن يمتلك أو يسعى لامتلاك ثقافة دينية شاملة ومتنوعة مُنَقّية ما تُلْقِي به في آذان المصلين، حيث إن الدين هو الفاعل الأول في السلوك، والمشكل الأول للوجدان والمحرك الأول للأفعال.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط