الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

صورة مشوهة بفعلنا ودور منشود!!


إن "المواطن" وكذلك المقيم المسلم في أوروبا يواجه صعوبات هائلة، ليس كما يظن البعض من إجراء معين محدد، بل من تلك الصورة التي رُسِمت له بفعل ممارسات أتى بها بعض ممن هم محسوبون عليه، حيث تتصاعد جرائم الكراهية والعنصرية ضد المسلمين ـ بسبب ما يقترفه ثلة ممن ينسبون انفسهم زورا لدينا الحنيف، مؤولين نصوص لم يفهموا مقصدها أوصلتهم لتطرف فكري ـ ما دفع إلى عمليات التحريض على مسلمين سواء في الإعلام التقليدي المرئي والمكتوب، أو على وسائل التواصل الاجتماعي.

بالرغم من أن الإسلام لم يعلن يوما عداء لأمة، ولا حربا على حضارة، ولا تحقيرا من شعب، بل أقر إقرارا أنه جاء من نفس تلك المشكاة التي بُعِثَتْ منها الأديان السماوية، فكان تلك اللَّبِنة التي تكمل ذلك البناء الذهبي، واستفاد وأفاد الحضارات - السابقة واللاحقة - وأعلن مبدأ المساواة بين البشر الذين خُلِقوا "شعوبا وقبائل ليتعارفوا ".

إنها المصالح والأطماع التي جعلت الأديان تتحارب، والحضارات تتصارع والشعوب تتقاتل، وهي نفسها التي جعلت كتّابا ومفكرين ووسائل إعلام تملأ ذهن الشعوب الغربية بصورة - بألطف التعبيرات غير حقيقية عن الإسلام والمسلم، سدًّا للطريق على هذا الدين الحنيف، وطمعا فيما لدى شعوب هذا الدين من ثروات ونِعَمٍ أفاء الله - سبحانه وتعالى- عليهم بها، فكانت سببا في أن يرسموا الخطط وأن يعدوا العدد للسيطرة على المنطقة، واستنزاف ثرواتها.

وفي دراسة طلبت مني لإحدى وزارات الأوقاف الإسلامية توقفت فيها عند بحث رأيت أنه رسم خارطة طريق لما يجب القيام به على عدة أصعدة، أورد هنا بعضا من جوانبه:-

دور المؤسسات الإسلامية في أوربا: مقترحات لمجابهة المشكلة

مع كلّ حادثة من قبيل ما حدث في باريس أو بروكسل أو ميونخ أو برلين تعلو صرخات الإعلام والإعلاميّين والكتّاب في الحديث عن هذه الحاضنة لمثل هذا النّوع من مرتكبي الهجمات وهي التّجمّعات المسلمة، وضرورة تعميق العمل الاستخباراتي في أوساطهم ومكافحة التّطرّف العنفيّ وغير العنفيّ الذي يشتبه في تبنّيهم له أو تغطيتهم إياه.

إن التّطرّف الذي يبديه إعلاميّون على هذا الصّعيد يصل الى حدّ تجريم ّكلّ الجاليات المسلمة وبالتّالي الدّعوة إلى إغلاق مساجد وجمعيات خيريّة وتشديد الرّقابة وسنّ تشريعات صارمة تستهدف هذه التجمّعات.

ويقع ضحيّة هذا الإعلام سياسيّون وعامّة يسلّطون سيوفهم المادّية والمعنويّة فعلًا على كلّ ما يمتّ إلى الجاليات بصلة.
من هنا وجب الانتباه إلى هذا الإعلام ومحاولة التّأثير فيه لاحتواء نزعات الشّر ّوالكراهية التي يبثّها.

أ: كيفية التعاطي مع الإعلام الغربي وبناء الجسور
والسؤال: كيف يمكننا التّعاطي مع الإعلام الغربيّ والتّأثير فيه من أجل تسخيره لبناء الجسور بدلا من هدمها ومن يمكنه تولّي هذه المهمّة؟

والخطوات التي يحب اتباعها هنا تكون على النّحو الآتي:
عدم حصر الرّدود إعلاميًّا باعتداءات باريس أو بروكسل أو ميونخ أو برلين أو غيرها من حوادث
ووضع استراتيجيّة إعلاميّة بأدوات وآليات واضحة تأخذ زمام المبادرة.

إعداد مجموعة من الشّباب الذين يتقنون لغات المجتمعات التي يعيشون في أوساطها من خلال الدّراسة والتّدريب كي يتولّوا التّعامل مع الاعلام الغربي.

رصد الإعلام الغربي والرّدّ على الحملات المضادّة بالمعلومة وتوحيد المصادر وهنا لا بدّ من التّنسيق والتّرتيب بين العاملين في كافّة المؤسّسات من أجل النّهوض بهذه المهمّة على أكمل وجه.

واستغلال منابر الاعلام الاجتماعيّ والفضائيّات وإقامة علاقات عامّة ناضجة مع عموم المجتمع وأصحاب القرار على حدّ سواء وتفعيل دور المؤسّسات القائمة للاضطلاع بمسؤولية تنظيم ذلك والإشراف عليه.
وكذلك انشاء مجموعات تواصل اجتماعي تدار مركزيًّا ومهنيًّا.

عمل محطّات اذاعة إسلاميّة في كافّة الاقطار الأوروبية الممكنة، تتحدّث كلّ منها بلسان الدّولة التي تتواجد فيها بحيث تعمل على التّرويج للإسلام الصّحيح والدّفاع عن روحه وعن الجالية. لا بدّ أن يعمل في تلك الإذاعات أناس مهرة يتقنون فنّ الخطاب والإعلام ويفهمون الإسلام واحتياجات المسلمين والواقع المحيط بهم.

ب: كيفية التعاطي مع السّياسات الحكوميّة
تتعاطى الحكومات الغربيّة مع الأحداث والجرائم التي يقف على رأسها من ينسبون إلى الإسلام بطريقة تعزّز الانقسام المجتمعي وتغذّي نزعات الكراهيّة.

فالحديث عن مسؤولية المسلمين في وقف تلك الجرائم خطاب شائع من قبل السّياسيّين سواء في اليمين الحاكم أو المعارض.
وهو ما استدعى لدى بعض تلك الحكومات الشّروع في سنّ قوانين تستهدف الجاليات المسلمة في محصّلتها وتعزّز من اجراءات وضعهم بالكلّية تحت الاشتباه.

مثال ذلك قانون مكافحة التطرّف في بريطانيا كان أحد تلك الافرازات التي تعزّز الشّعور بالعزلة لدى المسلمين وتعلي من مشاعر الاغتراب لديهم. في المقابل فإنّ الصّمت السّلبيّ تجاه خطاب وجرائم الكراهية ضدّ المسلمين من قبل تلك الحكومات شجّع بشكل مباشر أو غير مباشر على زيادة وتيرة التعدّيات على الإسلام والمسلمين.

السّؤال: كيف يمكن التّأثير في صانعي القرارات في أوروبا بحيث لا يدع هؤلاء مجالا للشّكّ لدى شعوبهم بضرورة التفريق بين المسلمين وبين تلك الجرائم التي يرتكبها البعض زورًا باسمهم؟ كيف يمكن وضع هذه الحكومات أمام مسؤولياتها في عدم توفير بيئة للتّطرّف ينفذ من خلالها متطرفون؟

ذلك الذي نرى أن يكون على النحو التالي:ـ
الدّخول مع الحكومات الأوروبيّة في نقاشات صريحة حول الظّاهرة من حيث الأسباب وآليات الاحتواء وإمكانيات التّعاون البنّاء لاحتواء امكانيات الانقسام المجتمعي.

التّواصل مع الممثّل البلدي والبرلماني بطريقة جماعية لوضعهم أمام مسؤولياتهم.

تفعيل العمل مع صنّاع القرار لسنّ تشريعات مكافحة للكراهية والإسلام فوبيا أسوة بجرائم اللاّسامية.

عدم الانخراط في ظاهرة التّخويف في أوساط الجالية في أعقاب الأحداث، وبالتّالي الاندماج الكامل في المجتمع.
التّظاهر لرفض الإرهاب والضّغط على المتطرّفين من الطرفين.

رفض مقولة ” أنّ هؤلاء خرجوا من عباءة الإسلام المعتدل”.

استثمار مناخ الحريّات في اوروبا بإقامة ندوات وفق القواسم المشتركة.

تنظيم واجهة جامعة وشاملة للجالية العربية للدّفاع عن مصالحها.

الاستثمار في أدوات التّواصل الاجتماعي دعمًا لأصوات الاعتدال الاوروبي.

ج: الفكر والحواضن التّربويّة
بالنّظر إلى قدرة الدّواعش على استقطاب أعداد مهمّة من الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا فإنّ هناك ما يشير فعلا إلى توفّر حواضن تربويّة محدّدة سمحت بذلك. هناك فكر لدى هذا البعض – ولو كان قليلًا - ينادي بدين القتل بدل دين العدل وهو فكر يعبّر عن ذاته بالعنف الموجّه نحو الدّاخل الأوروبي أو حتّى المسلم الآخر كما في سوريا أو العراق أو مصر أو ليبيا أو تونس أو تركيا أو لبنان. لا شكّ أنّ الأرضيّة التي نمت فيها مثل تلك التوجّهات هي أرضية بحاجة إلى إعادة حراثة وزراعة وتسميد وهو ما يضع على كاهل أهل العلم والمشايخ والمفكّرين مهمّات من نوع اكثر عمقًا وتركيزًا.

السّؤال: كيف يمكن أن نجعل من البيئات التّربويّة الإسلاميّة بيئات أكثر ايجابية وأكثر وعيًا وفهمًا للإسلام وقدرة على التّعاطي مع أبنائها بروح المسؤوليّة التي تقي تجمّعاتها وأبناءها والمجتمعات التي تعيش فيها أثر الفكر الدّاعشي؟

وهذا الذي نرى أن يكون علاجه يمر على توحيد المحاضن التّربويّة المرجعيات الفكريّة والفقهيّة.

الاضطلاع بمهمّة صناعة القيادات الفكريّة والدّعويّة المؤهّلة.

والتّفكير في إنشاء مؤسّسات مدنيّة تتولّى عمليات التّربية والتّكوين والتّأثير الايجابيّ في مسار توجيه وتربية أبناء الجالية.
وكذلك وضع برنامج لتصحيح المفاهيم من خلال خطاب إسلاميّ معتدل.

وعقد مؤتمرات علميّة رصينة للائمّة والدّعاة على مستوى الأقطار الأوروبيّة لتدارس الفكر وسبل التّعاطي مع الوقائع المستجدّة وآليات المحافظة على الجالية المسلمة .

وكذلك إيجاد همزة وصل بين الجاليات المسلمة والحكومات في الأقطار الأوروبيّة المختلفة لاحتواء الأحداث سواء وقائيًّا في محاولة للحيلولة دون التّطرف وتجلّياته أو علاجيًّا في أعقاب أيّة حوادث كالتي جرت.

د: احتواء تأثير الهجمات وتداعياتها
أثّرت الهجمات في أوربا على صورة الدّين الإسلاميّ وعلى المسلمين عمومًا في الغرب تأثيرًا كبيرًا. وكما أنّ مسؤولية هذا التّدهور في صورة الدّين وصورة المسلمين وارتفاع منطق الكراهية في الغرب لكلّ ما هو عربي ومسلم هي مسؤولية الجهات التي قامت بتلك الهجمات أو تلك التي تتناغم معها، هناك مسؤولية في المقابل تقع على عاتق أبناء الجالية المسلمة والعربيّة لاحتواء تداعيات وما يترتّب على تلك الأفعال الشّنيعة من تصوّرات خاطئة عن الإسلام أو أفعال ومواقف ضدّ المسلمين. فلا يكفي أن يقف المسلمون يندبون حظّهم العاثر بخروج مثل هؤلاء من بين صفوفهم بل عليهم النّهوض بمسؤولياتهم نحو دينهم ونحو أبنائهم بما يحفظ هذا الدّين ويحسّن صورته ويحمي المسلمين من الاعتداءات ويحفظ حقوقهم الشّرعيّة.

السّؤال: ما هي الخطوات الوقائيّة التي يتوجّب على المسلمين القيام بها للحيلولة دون دفعهم ثمن ما جرى على الصّعيدين الفردي والجماعي. وما هي الخطوات العلاجيّة التي يجب تبنّيها سلوكيًّا مع الشّعوب الأوروبيّة أو تلك التي يمكن سلوكها قانونيًّا؟
هذا ما سنعرضه في مقال آخر .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط