الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل تتحدث اللغة القطرية؟!


في العام 2013 ذلك الذي حكم مصر فيه جماعة الإخوان عبر الرئيس المعزول محمد مرسي، كان الصراع في مصر وخارجها، بين المصريين بعضهم البعض وبين المصريين وغيرهم من الجنسيات الأخرى على أشده، حيث أن الحالة المصرية، لم تكن يوما مجرد شأن داخلي، فهي، مصر، عمق أعماق المنطقة العربية، والعالم الإسلامي، كما هي، في العديد من الحالات، بوصلة العالم الموجهة.

في بداية صيف ذلك العام وفي صباح أحد الأيام اتجهت إلى المقهى الذي اعتدت الجلوس فيه لاحتساء قهوة الصباح، حيث كان الجو مشمسا ما سمح لرواد ذلك المقهى بالجلوس أمامه في مركز مدينة ليوبن النمساوية الذي يُمْنَع فيه سير المركبات، مثله في ذلك مثل مراكز كل المدن الأوربية التي تُخصَّص للمشاة فقط.

وقبل أن أجلس لفت انتباهي وجود أعضاء لفريق رياضي يرتدي الملابس الرياضية مكتوب عليها باللغة العربية اسم الفريق وهو "الأهلي" فألقيت عليهم السلام وجلست على مقعد قريب منهم، حيث وجهت لهم سؤالا استوضح أي فريق للأهلي نظرا لانتشار الاسم في البلدان العربية، وأنهم بكل تأكيد ليسوا أعضاء فريق الأهلي المصري الذي لست في حاجة للسؤال لكي أتعرف عليه.

فأجابني أحدهم أننا أهلي اليمن تلك الإجابة التي اعتبرتها مزحة! رافضا تصديقها فسألني عن سبب عدم تصديقي، فقلت له أن اهلنا في اليمن فقراء، وأن المعسكرات الرياضية بالنمسا مكلفة وباهظة الثمن، وما اظن أن فرق يمننا السعيد تمتلك القدرات المالية على إقامة معسكر هنا، فأخبرني محاوري أنهم أهلي قطر.

جاءت النادلة لي بفنجان القهوة الذي اعتدت على احتسائه دون أن أطلب ذلك، حيث أني زبون دائم لديها، وسألتني، حيث رأتني أتحدث مع الفريق الرياضي: هل هذا فريق من مصر؟ فأجبتها بالنفي، فسألتني ثانية من اية دولة فقلت لها قطر! فاستمرت بسؤال: هل هناك دولة تسمى قطر وأين هذه الدولة؟ فأخبرتها أنها دولة صغيرة بجانب المملكة العربية السعودية التي كانت على معرفة بها، ثم تساءلت هل أنا أتحدث اللغة القطرية!؟ فأخبرتها أنه لا يوجد لغة بهذا الاسم، فتساءلت ثانية بأية لغة تحدثهم: هل هم يتحدثون المصرية؟ فأخبرتها أننا نتحدث العربية، التي تتحدثها الدول العربية جميعها، فسألت مندهشة: ومصر أيضا!؟

كان ذلك حوارا كاشفا بيني وبين النادلة التي تحمل الجنسية الرومانية حرصت على أن أنقله لأعضاء فريق الأهلي القطري الذي صممت أيضا أن تكون مشروباتهم على "حسابي" - من باب الواجب الأخوي حيث اعتبرتهم ضيوفا عندي بالمدينة التي أقطنها، آنذاك، منذ عشرين عاما تقريبا - أبدى أعضاء الفريق دهشتهم لعدم معرفة النادلة لاسم "قطر" فضلا عن موقعها فقال أحدهم، ربما مشككا فيما أنقله عن النادلة إليهم، هل هي لا تعلم أن قطر هي التي ستنظم كأس العالم لكرة القدم في عام 2022؟ فأجبته أن هناك الكثير من الأوربيين لا يهتمون بكرة القدم في الأساس، ومن ثم لا يعرفون أين أقيمت كأس العالم الماضية وليس كأس العالم التي ستحل، آنذاك، بعد عشر سنوات تقريبا.

لم يكن لينتهي حواري مع رياضيي فريق الأهلي القطري في تلك الصدفة التي جمعتنا، دون التطرق لما يحدث في مصر، فبادر أحدهم يستوضح توجهي السياسي متسائلا: هل أنا مع مرسي أم مبارك؟ فأجبته بالقطع لست مع مرسي، وفي ذات الوقت لم أرض كل الرضا عن حكم الرئيس مبارك، وأردفت أني مع مصر، وأن الأمور تتجه للتغيير، كان هناك غضب بدأ يملأ النفوس من سياسة جماعة الإخوان، وأكدت له أن مصر لا يمكن أن تستمر في هذه الحال، وأن هناك حراكا هاما سيغير المنطقة كلها، ذلك الذي لم يصدقه محاوري القطري والذي لم يزد عن إبداء اعتراض لطيف منهيا به الحوار.

إن هذه الصدفة التي جمعتني والإخوة من قطر عكست بعضا من تلك الأزمة الدائرة رحاها في المنطقة والتي قطر طرف أصيل ورئيسي فيها، فلقد كان جهل النادلة باسم دولتهم وموقعها ولغتها، وما ظهر على الإخوة من حزن لهذا كاشفا عن تلك الحالة التي تمر بها إمارة ثرية ثراء هائلا، ويظن أهلها وقادتها أنهم يستطيعون بتلك الثروة الهائلة تحقيق كل شيء، وإذا بهم بعد كل ذلك الإنفاق الهائل هناك من لم يسمع عنهم، ولا يعرف لدولتهم اسما ولا لغة!

كما عكس ذلك الموقف ضيق أفق من يرسم الخطط المستقبلية، فليس معنى أن تقوم دولة ما بتنظيم حدث كبير أن يكون ذلك عوضا عن تقديم الذات بما يليق للعالم الذي لن يحترم سوى هؤلاء الذين يسهمون بحق بسهم في الحضارة الإنسانية ذلك الذي فعلته مصر وكانت رائدته، ما جعل النادلة تستنكر أن تكون لغتها هي العربية، حيث أن الجميع في أوروبا قد درس الحضارة المصرية القديمة ولا يذيلون اسمها بوصف عربية بل يكتفون بـ "مصر Egypt / Ägypten" وكفى!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط