الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أليسَ بِكُم رَجلٌ رَشيد


لكل صَنعة أصُول.. عَدا الكتابة فالأصول هي صنعتها.. وأول تلك الأصول محاولة نزع الأهواء الشخصية والتجارب الذاتية من طَرف القلم (قديمًا في عصر ما قبل الكي بورد)، نحاول طوال الوقت، ننجح أحيانًا في أن نكون حياديين لبعض الوقت، ونَخْفق في السَواد الأعظم من الحِفاظ على هذا التوازن وخاصة عِندما يُصبح الأمر تجربتك الشخصية حتى وإن تنصلت من خصوصية التجربة وحاولت أن تخرج بها مِن حَلْق نفسك الضيقة لبَراح يتسع لِكُل الخَلْق، فستظل تحمل طابع حُسنك من سعادة أو شقاء وستكون حروفها هي رسم لدموعك أو ابتساماتك، لذا فأقصر الطرق هي الصراحة والاعتراف بأن ما سيرد في السطور التالية هو تجربة شخصية من واقع يا ليته كان مِن مَحْض الخيال.

شخوصه حقيقيون يلهون طوال الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي ولا سبيل في إثبات وجودهم على تلك الصفحات إلا بسَيل السبُاب الذي يتدفق من كلماتهم بكل إنسيابية.. أصبح لفظ "الهَرْي" هو الصفة المقترنة بتلك المواقع ولٰكن مقداره لا يمكن تقديره إلا إذا أصبحت أنت الشخص "المَهري" عليه، وبالرغم من عدم تقبلي لذٰلك اللفظ لعاميته الشديدة إلا أن التجربة جعلتني أُدرك مدى عمقه فهو وصَف حقيقي لما يفعله "الهرايين" على الصفحات المختلفة فحظَك العسِر إذا قادك تحت مقصلة نشطاء السِباب الأجتماعي ستشعر بالمعني الحقيقي لكل حرف من كلمة " الهَري" وهنا أستمحيكم عُذرًا بأن تبلغوا اعتذاري للعبقري الذي أطلق هذا اللفظ نعتًا ونعيًا لما يحدث في ذلك العالَم الافتراضي.

عالم يكشف عن وجهه القبيح بلا سابق إنذار يُكشر عن أنيابه ويلُوك في جِلدك وعظمك بلا سَابِق معرفة.. أصبح المشهد أقرب لفرح في حارة شعبية يتنصب الشادر فيبدأ كل من يريد مجاملة أصحاب الفرح "بالنقوط" والمبْلغ دلالة على محبة صاحب الفرح أو نفوذ صاحب النقوط.. نفس المشهد، يتنشر "البوست" ويبدأ "نقوط" اللايكات والتعليقات، البذاءة هي عربون المحبة وتطاول اللسان هو إثبات الحضور.. بحثت طويلًا عن كتالوج قَد يجنبك الوقوع تحت طائلة المتربصين الاجتماعيين لكن الاعتراف بالفشل فضيلة وهنا أستغل سطوري لإعلان ذلك الفشل ففي كل الأوقات أنت تحت طائلة قوانينهم المزاجية التي لا عاصِم مِنْهَا إلا أن تدخل جحرًا تمضي ما بِقي فيه من حياتك.

ولأن الجحور لا تضم إلا الجرذان فسنمضي ما كتب الله لنا ما بقي في العُمر أحرارًا فوق الأرض نملأها بأفكارنا وكلماتنا وطلّتنا، سنصيب أحيانًا وسنخفق كثيرًا.. وما ضللّنا إلا لنهتدي، فلم يَصِل أديسون لاختراع المصباح الكهرباءي إلا في المرة الأولي بعد الألف.. وأذ لم يكن في ذلك الوقت مواقع للأحباط الإجتماعي (تسِب وتِلعن) في محاولاته البائسة فذلك لا يعني إنه سَلِم من ذلات لسان الآخرين وأنه قطعًا ما أستسلم لهم وإلا ما عاش هؤلاء الظلاميون في نوره.

وكما قال خير السَّلَف "النخلة الطّراحَة طوبها كتير" فشكرًا لكل طوبة فهي خير دليل على أن النخلة مليئة بالبلح.. أنْكَبوا على الأرض أهدروا أوقاتكم وأعماركم في البحث عن الطوب ومن كل قلبي أدعوا الله لكم بإخلاص وأُشهد الله على صِدق دعوتي أن يرزقكم مِن أنفسكم رَجُل رشيد يفكر قبل أن يكتُب.

ما مِن إنسان عاقل ينشد للنجاح سبيلًا أن يَصْم أذنيه عن أي نَقْد يوجه إليه بل عيبًا عليه إذ لم يستفد مِنْه، فالنقد حقْ أصيل للطرفين فمن حقك أن تنبهني إذا أخطأت ومن حقي أن أستفيد مِن أخطائي، ولكن النقد الهادِف دون الإساءة والتجريح، وهنا سأستمحيكم عذرًا للمرة الأخيرة بأن أستغل سطوري (وذلك ما أشرت إليه في البداية أنه لا يمكن فَصَّل ذاتك من التجربة طالما كانت شخصية) وأذكركم بأن إذا كان جزاء الإحسان إحسانًا فجزاء إسائتكم أيضًا لن يلقي إلا العفو والإحسان.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط