عندما يكون المثقف مرتهنًا لصالح التزوير

عندما ينشأ جيل تستبيحه العورات جميعها اعلم حينها أنه جيل محاصر بمثقف أعور ... لا يستطيع تشخيص الداء إما مراوغة تساعد الباطل من خلال حمايته أو فشلا في وضع اليد على حقائق ناصعة تسقط تصنيفه كمثقف في الحال..!
وما أكثر النوعين بعالمنا العربي المبتلى بالعوار والعورات ...
في برنامج محمود الورواري على قناة العربية استضاف الدكتور علي النعيمي رئيس جامعة الإمارات العربية بعد مقدمة طويلة عن المشوار العلمي للدكتور المستضاف حتى انتهى بنا إلى حصوله على الدكتوراه من السعودية .. ليدق بآذاني جرسا يجعل المراقبين أكثر انتباها حال التحليل للزيف الذي من الممكن أن يتعرض له .. فبلادنا تمنح أيضا درجات علمية مسيسة .. ودرجات علمية مهجنة لإدراك مصالح معينة..
وقد بان الدكتور وطريقه من أول سؤال في حواره عندما تناول الورواري ظاهرة التطرف الديني والغلو التى نشرت الإرهاب في الأرض وجميعها نعرف مذهبها وحواضنها وداعميها ومروجيها ... فإذا بالدكتور النعيمي يأخذنا إلى عام1928 ونشأة جماعة الإخوان المسلمين وما تفرع عنها من كيانات وحركات ..
ربما يكون التشعيب الحركي لحركة الإخوان قد صنع هيكلا حركيا لتنظيم اسلامي أشبه بنظام الاحزاب السياسية ولكنه لم يستقل وحده بشكل مطلق في تجذير ظاهرة القتل واستباحة الآخر وتكفيره .. إذ أن ظاهرة التكفير والطائفية تعود لجذر فكرى لا حركي أكثر عنفا وتضليلا .. ربما التنظيم الحركي يُستعمل كأداة ولكنه لا ينشئ الجريمة التي تحتاج لتشريع يساندها ويمنحها منطق ومنطلقات الفعل ..
ومن هنا وجدنا الدكتور النعيمي ينحاز لفكرة عجيبة وغريبة يضيفها كسبب آخر لظاهرة العنف والتطرف وهي الاستعمار ... في حين ان كل حركات مقاومة الاحتلال تظل مشروعة في القانون الدولي فما الذي جعل الدكتور يخلط بين الإرهاب كتطرف عقائدي يعتدي على الآخر ويستبيح قتله وماله وعرضه باسم الدين وبين مقاومة الاستعمار كعمل مشروع .... هل تراه بالخلط يبدأ طريقا يرصفه لإسرائيل حتى تكون مقاومة الاحتلال عنفا وضلالا ...؟
لا أعرف فأنا منتمٍ لأمة تفقد أي مفكر القدرة على الاحتفاظ بشعره الأسود ...!!
لماذا يجنح الدكتور النعيمي ويترك الحقيقة رهينة التغييب المتعمد هكذا ؟
وهو يعرف أن أول من أسس للعنف بشكل ممنهج وجعله جزءا من فكرة التدين هم جماعة الحنابلة وغلاتها الذين توجوا في النهاية بفتاوي الشيخ ابن تيمية وقد جاء الواقع مقررا لذلك عندما نجد داعش والنصرة وتنظيم القاعدة وكل الجماعات الإرهابية في كوكب الأرض تتخذ من ابن تيمية وفتاويه مرجعا لها ومن كتب الوهابية سندا شرعيا لجميع اعمالها ..!!!
لماذا نغض الطرف عن هذه الحقائق ..؟
نحمي من بسبب هذا الإخفاء الذي لا يولد إلا الاخفاق حين المواجهة ؟
عندما يكون متعمدا الالتواء في تشخيص الداء سيكون حتما مخفقة طرائق المواجهة ووصف الدواء ...
إن الإرهاب جذوره عميقة في هذه الأمة وقد صاحبت مسيرتها لمدة طويلة من الزمن تتعب عيناك في التاريخ من رصد أنهار الدم التي سالت وأسواق السبي التي فتحت والمظالم التى سارت من بلد الى بلد وقد تم ردع الكثير من المفكرين حتى أمسك البعض قلمه والآخر لسانه والثالث حاول ولم ينتصر..!!
فهل كان هناك إخوان أو استعمار وهم يُخرجون لسان ابن السكيت من القفا بعهد المتوكل العباسي الذى يلقبونه بناصر السنة ... ؟
هل كان هناك دوافع أكثر من اشتهاء العنف وخالد القسري الذي يترضون عنه يذبح بسكين الجعد بن درهم بمسجد الكوفة 121 هـ لمجرد خلاف حول الأفكار وتفسير العقائد ... ؟
هل كانت هناك دوافع لنهر من الدم يسيل من عروق الأسرى عام 12 هـ في معركة أليس المسكوت عنها في تاريخنا مع أن كتابنا المقدس يقول "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" فيجعل الأسير في عداد اليتيم والمسكين لفقدانه وسائل القوة وأدوات المنعة ..؟!
لماذا لا يقف المؤرخون والمثقفون ويدعون من جديد إلى تحيين النصوص وتفسيراتها عندما تكون في خدمة الواقع والمستقبل ..؟
إلى متى سنظل نخفى وجوهنا خلف غربال بعدما أخفينا رؤوسنا تحت النعال ..؟
متى يا دكتور نعيمي تدرك بحق وتقول بحق عن الأسباب الحقيقية للإرهاب الداعشي السلفي الذي يعصف بعالمنا؟