إن لكل لعبة قواعد ووقت محدد تنتهي به، فعند مرور تسعين دقيقة في مباراة لكرة القدم، على الحكم أن يطلق صافرته، معلنا انتهاء المباراة لتحدد نتيجتها بين الفريقين المتباريين، ويُعْلن اسم الفريق الفائز، ويُعْرف اسم الفريق المنهزم، وليس هناك بعد ذلك إلا أن يلتزم الجميع بما آلت إليه النتيجة، ولكن هناك مباريات من نوع آخر ولعبة لا يتم الالتزام فيها لا بالقواعد، إن وجدت، ولا بفترة زمنية محددة، وهذه المباريات من الصعوبة لدرجة أن الفريق المهزوم يمكنه أن يُصَوِّر لجماهيره أنه هو الفائز، وأن يقلب الحقائق ليتوهم أنصاره أنه كان الأقوى بالحلبة، والأجدر بالفوز وهو ما تحقق، تلك المباريات تحتاج لمعرفة نتائجها إلى عقول واعية وعيون راصدة.
إن ثقتي لا تتزعزع مطلقا، في أي حال من الأحوال، ولا أي وقت من الأوقات، في رؤية الدولة المصرية، ولا في عمل مؤسساتها، ولا في النتائج التي تصل إليها، ولا في الأساليب التي تستخدمها، ولا في حسمها للمعارك التي تخوضها، ولا في التزاماتها الأخلاقية بقواعد أية "لعبة!" تضطرها الظروف لخوضها، للدفاع عن امنها القومي مرة، وأمن أمتها العربية مرة أخرى، وأمن العالم أجمع مرة ثالثة.
إن الرؤية المصرية والموقف المصري مبني دائم على ثوابت وحقائق، يتم العمل بكل جدية للوصول إليها من قبل رجال وكفاءات كانوا وسيظلون مضرب مثل في الإخلاص في العمل للوصول للدقة في النتائج، وهناك عشرات بل ربما مئات من الأمثلة تقف ماثلة للعيان شاهدة على براعة مصر، وصواب رؤيتها، التي تعلنها ليس للدائرة المحيطة بها فحسب بل للعالم أجمع، وتمر الأيام وتأتي الأحداث لتعلن صواب الرؤية المصرية، وتكون النتيجة الطبيعية، لو كنا في مباراة لكرة القدم، هي أن يطلق الحكم صافرته معلنا عن انتهاء المباراة بفوز كاسح للفريق الذي انحاز للرؤية المصرية نسوق هنا حتى لا نطيل على القارئ الكريم ثلاثة رؤى ومواقف قال مصر فيها قولها.
أولا قناة الجزيرة:-
خرجت علينا في شكل مبهر وأداء ملفت في نوفمبر من عام ٩٦ من القرن الماضي، استطاعت بسرعة مذهلة أن تستحوذ على قدر هائل من المتابعين على مستوى العالم العربي، دست في أخبارها السم في العسل، كانت نسبة ذلك السم في هاتيك الأيام الأولى قليلة للغاية، ولكنها لم تغب عن العقل المصري الفاحص، وحذرت منذ الأيام الأولى لخطورة الدور الذي تلعبه تلك القناة، في الوقت الذي كان مازال الجميع مبهورا بها، فأذكر أن خرج على قناة التليفزيون المصري الفضائية الأولى الكاتب الساخر الكبير الراحل محمود السعدني ليقسم بالله ملء فيه أن هذه القناة صهيونية تعمل على شق الصف العربي، وتستهدف الدول الكبيرة الفاعلة في المنطقة! ولم يلتفت أحد لهذه الصرخة المصرية المبكرة، لتأتي الأحداث مؤكدة لها، ولكن لأن الصراع ليس مثل مباراة كرة القدم المحدودة بميقات معلوم مازال يظن بعض المغيبين أن القناة لم تنكشف ويفضح أمرها.
ثانيا بريطانيا:-
عانت مصر والمنطقة العربية معاناة شديدة من آفة الإرهاب الذي بدأ في ثمانينات القرن الماضي ووصل ذروته في التسعينات منه، فأعمل جهاز الأمن المصري يده الثقيلة، فإذا بالإرهابيين يتخذون من الدول الغربية مكان إقامة لهم، فخرجت مصر متمثلة في رئيسها، آنذاك، حسني مبارك محذرة تلك الدول، والتي كانت بريطانيا أكثرهم إيواء للإرهابيين، من احتضانها، فلم يعر الغرب لهذه الصحية المصرية بالا، ليصبح هؤلاء الذين احتضنوهم عليهم وبالا، فتعاني دول أوروبا، وعلى رأسها بريطانيا، معاناة قاسية من الإرهاب الذي يضرب في كل مكان أناسا مسالمين، وتذوق الدول الأوروبية ويلات ما ذاقته مصر وحذرت منه في حينه، وهو التحذير الذي وقع في أذن من طين وأخرى من عجين، لتعض الدول الأوروبية أصابع الندم، وتعود لما طالبت به مصر صاحبة الرؤية منذ عشرات السنين.
ثالثا إمارة قطر:-
لم يختلف الأمر كثيرا مع إمارة قطر التي التقطت الأجهزة المصرية اليقظة الإشارة بحس عال، لتؤكد للجميع منذ اللحظة الأولى أن الإمارة الصغيرة تنفذ مخططا لأجندة دولية تستهدف المنطقة، وأكدت أن لا ناجٍ من تلك المؤامرة، وكعادتها مصر أرسلت صيحاتها، غير مكتفية هذه المرة بذلك، حيث أن الأمر يهدد وجود الدولة المصرية التي لو أصابها السهم لأصاب المنطقة جميعها، فأخذت في محاصرة الدور القطري، محذرة شقيقاتها، التي عميت عليها أشياء فتباطأت، ذلك التباطؤ الذي حمَّل القاهرة عبئا مضاعفا حملته راضية، فهو قدرها، إلى أن نزلت الدول العربية على رأي مصر، بعد أن ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابا تاريخيا في القمة العربية الإسلامية الأمريكية الذي عقد الشهر الماضي في المملكة العربية السعودية، لتثبت كل مرة صواب القول مصري وأن العود إليه دوما أحمدُ.