- الشيخ خالد الجندي في حواره لـ«صدى البلد»:
- اليوم الرمضاني «24 ساعة» وبعض الشباب يتخذ الليل وسيلة للانفكاك عن الطاعة
- رمضان ليست له إعادة.. وأنصح بمتابعة المسلسلات بعد الشهر المبارك
- الجهودُ المبذولةُ في تجديد الدين لا ترقي.. وعلى المسؤولين 3 أمور
- محتوى البرامج الدينية لا يلتصق بالعقل لاعتمادها على «الرقائق»
- كتب التراث المطبوعة لا تتعدى نصف في المائة
- عمران بن حصين أول من أفتى بعدم وقوع الطلاق الشفوي
- رأي كبار العلماء في الطلاق الشفوي فتوى وليس قانونًا ملزمًا
- رأيي في فتوى الطلاق الشفوي اختلاف مع الأزهر وليس خلافًا
- انضمام الشباب للتنظيمات الإرهابية يدل على عجز العُلماء
- هناك علماء لا يصلحون للعمل داخل الفضائيات
- الشعب المصري مُتدين بطبيعته ومُرتبط بالله مُنذ فجر التاريخ
عُرف عن الشيخ خالد الجندي الداعية الإسلامي، آراؤه الجريئة، وسعة علمه ومعرفته واجتهاده، وأفكاره الفقهية التي تواكب الواقع، ونشاطه الدعوي الكبير، حيث أنشأ «الهاتف الإسلامي» في أول تجربة رائدة من نوعها في العالم الإسلامي تحقق التواصل بين طلاب الفتوى وعلماء الأزهر الشريف لمواجهة فوضى الفتاوى.
وقدم الشيخ خالد الجندي، العديد من البرامج المرئية والمسموعة، أشهرها: «رياض الصالحين، شهد الكلمات، إنه لقرآن كريم، أفلا يتدبرون، نسمات الروح، لعلهم يفقهون».. «صدى البلد» التقيالشيخ خالد الجندي، من علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية للإجابة عنكيفية تجديد الخطاب الديني، وتصحيح صورة الإسلام، وتنقيح كتب التراث، وتطوير أداء البرامج الدينية.
وأكد الشيخ خالد الجندي، الداعية الإسلامي، أنه لا يوجد تجديد للخطاب الديني إلا في حالة واحدة وهي تجديد الفكر الديني أولًا!، مُطالبًابإنشاء نقابة للدعاة، وضم شباب إلى هيئة كبار العلماء.
واعتبر الشيخ خالد الجندي، محتوى البرامج الدينية لا يساعد على تجديد الخطاب الديني، مشددًا على أن التراث الإسلامي مهم جدًا فأمةُ بلا تراث هي أمة لقيطة، لا أصل لها ولا وزن.. وإلى نص الحوار..
بداية.. كيف نستثمر خيرات شهر رمضان؟
نستثمر هذهِ الأيامَ المباركةَ بألا نجعل اليومَ الرمضانيّ كالعاديّ، فلابد أن يكون مُتسمًا بسماتٍ ترفع من منزلته عن اليوم العادي، بأن نُكثر من قراءة القرآن والأذكار والاستغفار، ونحرص على صلاة التراويح وقيام الليل والعبادات التي تقربنا إلى الله تعالى.
وللأسف يقع البعض في خطأ بأنهم يظنون أن اليوم الرمضاني نهاري فقط، بل هو «24 ساعة»، ونرى بعض الشباب يركز على الطاعة أثناء النهار وفي الليل يكون من الفُجار، كأن الليل هو الوسيلة للانفكاك من الطاعة، وهذا أمر خطير، فالله تعالى حينما ذكر رمضان في كتابه العزيز، قال تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» (البقرة 185).، فلم يقل سبحانه وتعالى «نهار رمضان الذي أنزل فيه القرآن» فهو شهر يشمل الليل والنهار.
وأنصح مُحبي مشاهدة المسلسلات بعدم تفويت خيرات شهر رمضان، فالأعمال الفنية مُتاحة طوال العام ويستطيع الإنسان مشاهدتها مُسجلة بعد انتهاء رمضان من خلال «اليوتيوب»، لأن رمضان إذا فات فلن يعود، فرمضان ليست له إعادة.
◄هناك دعوات بتجديد الخطاب الديني، ولكنّك طالبت بتجديد الفكر، فلماذا؟
تجديد الخطاب الديني لن يحدث إلا في حالة واحدة فقط بعدما يتم تجديد الفكر الديني، وأقصد بتجديد الفكر أي العقلية التي تتناول علاقة الدين بالدنيا، ولابد أن تكون هذه العقليةُ مُستوعبةً لأحداث الحياة والروابط التي تربط الدُنيا بالآخرة، وتستوعب المُتغيّرات الطارئة على الساحة الدعوية والفقهية، وقادرة على الفصل بين مُتطلبات الدين، ومُتطلبات الآخرة، وأن تكون هذه العقلية فاهمةً أن للدنيا قوانين وللآخرة قوانين، وهذه العقلية هي التي ينتج عنها ما يسمى بالفكر الديني.
◄ هل نحن بحاجة إلى تجديد الدين؟ وما دورك فيه؟
نعم.. تجديدُ الدين سُنةٌ كونيّةٌ وفرضيةٌ شرعيةٌ وضرورةٌ حتميةٌ ومُهمةٌ قوميةٌ، وورد في ذلك حديث صحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»، وأنا أقف في هذه المسألة موقف المشجع والمُثمن لهذه الخطوة المُهمة.
◄كيف ترى الجهودَ المبذولةَ في تجديد الدين؟ وما نصائحُكَ للمُجددين؟
الجهودُ المبذولةُ في تجديد الدين لا ترقي!، وأنصح -أولًا-: بإنشاء نقابة للدعاة تُسيّطر على خطة سير الدعاة الفكري وتُنظم الجهودَ المبذولةَ من الدعاةِ للارتباط بالمجتمع ارتباطًا صحيحًا وتحقق لهم مطالبهم المُنشودة، ثانيًا: ضم شباب إلى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لأن تجديدَ الدماءِ بفكر الشباب أمرٌ ضروري للغاية، وطلب أكثر من نصف المجتمع، لأن الشباب يُمثلون نحو 65% من عدد الشعب المصري.
ثالثًا: إنشاء قسم للإعلام الدعوي في جميع الكليات الشرعية في الأزهر الشريف، لتُخرج دعاةً متخصصين للتعامل مع الإعلام والميديا يجيدون توصيل رسالة الإسلام وسماحته.
◄ هل محتوى البرامج الدينية الموجودة الآن يجدد الخطاب الديني؟
لا.. لست راضيًا عن البرامج الدينية!، والمُفروض أن تكون اللغة مُتواكبة مع الشباب الذين يسمعُون هذه البرامج، وتكون لها خطة تستهدف بها الوصول إلى غاية محددة، وألا تتحول إلى وسيلة لجمع التبرعات الخيرية، وأن تكون هذه البرامج بها بعض الرقائق وكثير من الفقه.
◄ معظم البرامج الدينية يكون لها تأثيرٌ وقتي فقط على المشاهد ثم ينتهي، فبم تفسر ذلك؟
للأسف لأن البرامج الدينية تقدم كثيرًا من الرقائق وقليلًا من الفقه، وكثيرًا من الرقائق لا تصنع مُجتمعًا، فتعتمد هذه البرامج إلى الوصول إلى قلب المشاهد وليس عقله، فالرقائق من طبيعتها أنها لا تلتصق بالعقل، فلا يلتصق بالعقل إلا الفكر، ولذلك يزول تأثيرها بزوال المُؤثر، أما لو أنها قدمت فكرًا فهو الذي يصنع المجتمعات والإبداع ولا يزول أثره لأنه يلتصق بالعقل.
◄ البعضُ يُطالب بحرق كُتبِ التُراث الإسلامي.. فما خطورة ذلك؟
«أمةُ بلا تراث هي أمة لقيطة»، لا أصل لها ولا وزن، وأنبه على أننا نحن لسنا لقطاء، فالإسلامُ أمةٌ لها تاريخٌ، وعلينا أن نفخر ونفرح به، وأتساءل: «هل يستطيع مَنْ يُطالب بحرق التُراث التخلصَ مِن ذكرياته مع أبيه أو أعمامه وأقربائه؟»، إذًا: فالذين يُريدون أن نتخلص من التراث يرغبون في التخلص من آبائنا وأجدادنا وأُمهاتنا، وبلادنا ومجتمعاتنا وأوطاننا.
◄ كيف أشار القرآن الكريم إلى التراث؟
ورد ذكرُ التراثِ في القرآن الكريم بسورة الفجر، في قوله تعالى: «وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا» (سورة الفجر: 19)، ولكن القرآن أمرنا أن نأخذ منه ما ينفعنا ونترك ما يَضرنا، والتراث في الآية هو كل ما تركه السابقون من فكر وعلم، بدليل أنه في الآية التي تليها ذكر المال، فقال تعالى: «وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)» فإذًا ليس المقصود بالتراث المال كما يظن البعض، لأنه لا يمكن أن يكون التراث دخل بمصطلحين، فالتراث في الآية الأولى هو ما تركه السابقون من فكر وعلم وليس المال.
◄ هناك دعوات بتنقيح كتب التراث.. فما تعليقك؟
لا بأس من تنقيح كتب التراث، وليس معنى ذلك تعديل المخطوطات أو آراء الفقهاء، ولكن أن آخذ من التراث ما ينفعنا منها، وأقول لمن يدعى استطاعته تنقيح التراث: «أنت لا تستطيع تنقيح تراث أم كلثوم أو ألف ليلة وليلة».
◄ حدد لنا نسبة كتب التراث التي طبعت؟
تُراثنا لا مثيل له في الكون، والمطبوع منه أظنُّ أنه نصف في المائة!، وهناك كتب من المطبوعة مزورة ونسبت لعلماء لم يقولها مثل كتاب «تفسير الأحلام لابن سيرين» وكتاب و«الأشربة» للإمام أحمد بن حنبل، حيث يوجد له ثلاث نسخ مُختلفة عن بعضها ولا تعرف أيتها الأصلية.
◄ لماذا أيّدت فتوى عدم وقوع الطلاق الشفوي إلا موثقًا أمام مأذون، وناديت لها كثيرًا؟
طالبت بذلك حفاظًا على الأمن الاجتماعي المُهدد بالخطر بسبب زيادة نسبة الطلاق في مصر، وفقا للإحصاءات والبيانات الرسمية، فإن حالة طلاق واحدة، تحدث كل 4 دقائق، وإن مجمل حالات الطلاق على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة، وهذ كل يؤدى إلى خراب البيوت وانتشار أطفال الشوارع وكثير من المشكلات في الحياة الاجتماعية.
◄ من هم أبرز من أفتوا بعدم وقوع الطلاق الشفوي؟
لست أول من طالب بفتوى عدم وقع الطلاق الشفوي إلا موثقًا عند مأذون عليه «ختم النسر»، فقد أفتى بذلك الصحابي عمران بن حصين، والشيخ سيد سابق، والشيخ جاد الحق والإمام الغزالي والشيخ أحمد محمد شاكر، والدكتور سعد الدين الهلالي الذي ألف كتابًا خاصًا بذلك حمل اسم: «كتاب فقه المصريين في إبطال الطلاق الشفوي للمتزوجين بالوثائق الرسمية».
وذكر الاستطلاع الذي أجراه مركز بصيرة في فبراير الماضي، أن 63 % من المصريين يرفضون وقوع الطلاق الشفوي دون توثيق، ولا تتعدي نسبة الموافقين عليه 15%، أي أن ثلثي المصريين يرفضون الطلاق الشفوي دون توثيق.
◄ ألا ترى أن فتوى عدم وقوع الطلاق الشفوي مُخالفة للأئمة الأربعة؟
من أفتوا بإلغاء الطلاق الشفوى، وإن خالفوا رأي الأئمة الأربعة فى هذه المسألة، إلا أن تلك الآراء والمواقف، تتعلق بظروف العهود الماضية، عندما كان التعاقد الشفوى هو السائد، وهو ما انتهى عام 1931، وأصبح بعدها كل شىء مُوثقًا.
◄ هيئة كبار العلماء بالأزهر رفضت بالإجماع فتوى الطلاق الشفوي؟ فما تعليقك؟
القرار الصادر عن هيئة كبار العلماء بخصوص الطلاق الشفوى ليس بحكم قضائى واجب النفاذ لا يجوز مخالفته، لكنه مجرد فتوى فقهية اجتهادية جزاهم عنها الله خيرًا وعلى نواياهم الطيبة، ويجوز مخالفة الفتوى، لكونها متغيرة والحكم ثابت.
والفتوى السائدة هى وقوع الطلاق الشفوى ولكن هناك رأى المجتهدين من أساتذة الفقه بجامعة الأزهر وبعض الدعاة يتناسب مع العصر والقانون ولا يخالف الشرع، متسائًلا: «هل حدث انشقاق بين الفتوى الشرعية والقانون الذى يحكم البلاد؟»، وهناك نحو 500 أستاذ جامعي من علماء الفقه لم يتم استدعاؤهم لمناقشتهم في اجتماع هيئة كبار العلماء عن حكم وقوع الطلاق الشفوي، وهناك أكثر من عالم أزهري يؤيد توثيق الطلاق الشفوي وعدم وقوعه إلا موثقًا أمام مأذون.
«ونحن فى حالة فريدة من نوعها أن يتزوج الناس رسميًا، ثم يُطلقون عرفيًا بألفاظ شفوية، والناس التى تطلق شفهيًا لا يدركون معنى الطلاق بدليل أن دار الإفتاء يُعرض عليها أكثر من 3200 فتوى طلاق شهريًا، تقول بوقوع الطلاق فى حالة أو حالتين منها، وتنفى الطلاق فى باقى الحالات، نتيجة السلوك والفهم الخاطئ لدى العامة».
وهيئة كبار العلماء بقرارها بوقوع الطلاق الشفوي انتصرت لزمان الفقهاء الأربعة على الحاضر، وفتحت بابًا للمرتزقة الملتحين ليغوصوا فى أمور الناس الشخصية، فلا بد أن يلغى الطلاق الشفوى، ونحن فى اختبار أن نكون دولة أو لا نكون، وكنت أتمنى أن تراعى الهيئة الأطفال الصغار الذين يشردون بسبب الطلاق الشفوى، وتنظر إليهم بعين العطف فى أثناء اجتماعها».
◄ أخبرنا بحقيقة الخلافات التي وقعت فيها مع الأزهر بسبب الطلاق الشفوي؟
أتساءل: «هل يختلف التلميذ مع أستاذه؟»، فما حدث بيننا هو اختلاف وليس خلافًا، لأن الاختلاف هو الاجتهاد في الرأي حتى يصل إلى نتيجة تنفع المجتمع فالإسلام يعترف بالرأي والرأي الآخر.
◄ اتهامات كثيرة يتعرض لها الأزهر ومنها أنه يخرج الإرهابيين.. فكيف ترى ذلك؟
الأزهرُ الشريف اعتاد على مثل هذه الهجمات ممن لا يعقلون ولا يفقهون، فيبقى الأزهرُ وتنتهي الهجمات، فكل من غزا مصر هاجم الأزهر فرحل الغزاةُ وبقى الأزهر شامخًا على مدار 1077 عامًا ينشر الوسطية وسماحة الإسلام.
فالأزهر الشريف هو رمانة الميزان وبوصلة العقل والمعرفة، والتنظيمات الإرهابية ليست من خريجي الأزهر، فالمؤسسة الأزهرية بريئة من داعش ونظيرتها من الجماعات الإرهابية التي تسفك دماء الآمنين.
◄ لماذا ترتدي ملابس مُختلفة على الفضائيات ولم تلتزم بالزي الأزهري؟
أظهر بملابس مختلفة لتفريغ الذهنية الإسلامية عن الارتباط بالزي، فالارتباطُ بالزي وضعنا في حرج شديد، فاقترن في ذهن العامة بسبب التيار السلفي أن الطرحة البيضاء مع اللحية تدل على أن هذا الرجل صالح وتقي، فهذه كارثة، لأن بهذه الطرحة البيضاء صُنع الإرهاب، حيث تسلل أصحاب المنافع الخاصة وأصحاب الأهواءن الذين حرضوا على مصر وعلى أمنها، وتحت العمامة الأزهرية رأينا أناسًا لا ينتمون إلى الأزهر ولا إلى زيّه، وإنما ارتدوا الملابس للتدليس على الناس، وأنا أقول للدعاة: «ألبس ما شيئت ولا تقول إلا حقًا وصدقًا لأنك مسؤول أمام الله بما تخرجه من لسانك».
◄ ما الهدف من حلقات مجلس الفقه التي تقدمها في برنامج «لعلهم يفقهون»؟
حلقة مجلس الفقه أقدمها يوم الخميس في برنامج «لعلهم يفقهون» ونكون فيها أربعة شيوخ نعرض فيها آراء الأئمة الأربعة في مسألة فقهية ما، يجسد كل واحد فيهم شخصية إمام معين، كالشافعي، ويعرض رأيه الذي أفتى به في المسألة التي نناقشها، لنبين للناس أن هناك اختلافًا ولا يتقيدون برأي واحد كما تتقيد الجماعات الإرهابية بفتوى متشددة ولا تنظر إلى الآراء الأخرى.
وآمل أن تتحول حلقات مجلس الفقه إلى مشروع فكري كامل يكون في كفة أيدي علماء الأزهر ويرى فيه كل عالم، الفقهَ عن طريقة تسمى «التشجير الفقهي» على هيئة جداول، مثلًا فعند البحث عن حكم استخدام السواك في رمضان، نعرض جميع الفقهاء، فالشيخ بنظرة واحدة يستطيع الإلمام بالآراء في لحظات مما ينزع فتيل التعصب والتحجر وتقديس الرأي الواحد.
◄ وضّح لنا سبب تعرض بعض حلقات مجلس الفقه للهجوم؟
السبب في تعرض بعض حلقات مجلس الفقه للهجوم، لأن الناس لم تعاد على المعرفة، فتعودوا من البعض الذين يعاملونهم كما لو كانوا قطيعًا عليهم أن ينتبهوا للكلمة التي تقال ويطبقونها بدون تمحيص وبدون عقل، فهذا الكلام انتهي وقته، وهذه حلقة مجلس الفقه ليست للفتوى، فالذي يشاهد الحلقة من منظور الإفتاء يقع في الاضطراب، أما من يشاهدها بمنظور التعلم والفهم فهو الذي يستفيد من هذه الحلقة، التي نحجنا فيها بمحاربة الفكر المتطرف وتفكيك ولاية الفقيه ونظرية الأمير المُلهم، ونحن نقول للناس ليس لدينا مرشدٌ بعد الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وإنما جماعة الإخوان الإرهابية التي تربت على فكر المُرشد وهو تنفيذ الأوامر دون تمحيص فيها وهذه الجريمة هي التي أدت إلى ما فيه نحن الآن اليوم من وجود أُمراء للجماعات الإسلامية، وداعش الذي يبح القتل، ولا حل أمام هذه الجماعات المتطرفة إلا بتفكيك ولاية الفقيه الواحد والإمام الواحد والرأي الواحد، وبيان أن هناك أكثر من رأي في المسألة ولا يجوز أن ينفرد أحدهم بعقلك أبدًا.
◄ بمَ تفسر انضمام عدد هائل من الشباب للتنظيمات المُتطرفة؟
انضمام بعض الشباب إلى التنظيمات الإرهابية له أسباب كثيرة، أهمها عجز العُلماء عن ملء الفراغ الروحي الذي يشعر به البعض منهم، الذين كانوا في حاجة إلى من يملأ عقولهم وقلوبهم بالعبادة الصحيحة، كما كنا نحن نتعلم من مشايخنا الذين ربون على الهديّ المُستقيم، فنحن نحتاج الآن إلى من يقوم بملئ الفراغ الروحي الذي حظينا به من علمائنا.
◄ «نريد أن نعيش حياة النبي لا عصره» مقولة نسمعها من الشيوخ فما صحتها؟
هذه مقولة صحيحة، ونقصد بها سلوكيات النبي –صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه ومُعاملاته وعباداته، ولكن لا نريد بها محاكاة ناقة النبي ولا نَعْله الشريف، لأن طريقة الحياة في عصره –صلى الله عليه وسلم- قد لا أستطيع التعود عليها لاختلاف نمط الحياة الاجتماعية الذي نحياه اليوم.
◄ نلاحظ أنّك تبُث الأملَ والتفاؤل في حلقاتك رغم الظروف الاقتصادية الصعبة؟
طالما فوق السماء رب فلا يشقى تحت السماء عبدٌ، فالذي يعرف أن له ربًا فلا يفقد الأمل أبدًا، وأتساءل: «هل فقد يونس الأمل وهو في بطن الحوت، هل فقد يعقوب الأمل في استرداد ولده يوسف في أي لحظة، «إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» (سورة يوسف: 87)، ونحن أهل إيمان ولا نفقد الأمل طالما لنا صلة وثيقة بالله تعالى.
◄ ما الجديد في مشروعكم الدعوي؟
أنا مشروعي الدعويّ إعلاميّ، فأنا أنتمي إلى نوعية الدعاة الإعلاميين، ونحن نُدرك خُطورة الدُعاة الإعلاميين، فكلمةٌ واحدةٌ قد ترُج أواصر المجتمع بأسره، فالإعلامُ خطيرٌ ومؤثرٌ، وقناة فضائية واحدة لها تأثير أكثر من مئات الآلاف من المساجد، لما لها من تغلغل داخل المجتمع، وهناك علماء لا يصلحون للعمل داخل الفضائيات، فليس كل إعلامي عالمًا، وليس كل عالم إعلاميًا، وليس بينهما تلازم، ولكن الجمع بين العلم والإعلام مسألة أحاول عليها قدر المُستطاع.
◄ فرّق لنا بيّن رجل الدين وعالم الدين؟
اعترض على كلمة رجُل دين، ولكن عالم دين مُصطلح صحيح، لأنه لو كان للدين رجُل، لكن هذا الرجل ممثلًا للدين، فإذا أخطأ فالدين أخطأ وإن أحسن فالدين أحسن، وهذا خطأ، »، فالإسلام ليس مسؤولًا عن تصرفات بعض الناس فالإسلام حجة على الأشخاص، وهم ليسوا حجة على دين الله، ومن المعلوم أن العالم يُخطِئ ويصيب، ويقول الحقَ والباطل مثل أي بشر «كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».
◄ مقولة «الشعب المصري متدين بطبعه» كيف تراها على أرض الواقع؟
نعم.. فالشعب المصري مُتدين بطبيعته، فشعب مُرتبط بالله تعالى مُنذ فجر التاريخ، وهناك فرقٌ بين التطبيق والإيمان، فالإيمان عمل قلبي، والتطبيق سلوك أدائي، ونحن نعانى من مشكلة حقيقية فيه، ونجمت فجوة بين السلوك والتطبيق، والواقع والمأمول والنظرية والواقع، ولا نستطيع نفي الإيمان عن الناس ولكنه يحتاج إلى تطبيق على أرض الواقع.
◄كيف ترى حال الشباب، وما رسالتك لهم؟
الشباب الآن كالأيتام على موائد اللئام، فيحتاجون إلى أبٍ يتابعهم إلى أستاذ يعلمهم إلى شيخ يكون لهم قدوة، إلى أمل يداعب جفونهم إلى عمل يضعون فيه طاقاتهم إلى نصيحة صادقة من رجل يحبهم ويحبونه يأخذ بأيديهم أخذ الكرام عليه.
ورسالتي إلى الشباب: «أنتم في أمتع لحظات حياتكم وتقررون مصيركم من الله تعالى، وعندما تحدث الله عندكم قال «إنهم فتية آمنوا بربهم»، فـ«الفتوة» نعمة من الله تعالى، وأنتم عماد الأمة وحلقة الواصلة بين الماضي والمستقبل، والعمود الفقري للمجتمع، وأمل الغد، والإسلام يري في الشباب روح الفتوة والانقياد لطاعة الله والعزم وبناء المستقبل وعدم اليأس والإحباط.
◄مؤخرًا صدر قانون تنظيم الفتوى.. اذكر لنا أخطاءه من جهة نظرك؟
مُستحيل تطبيقه!، لأن كل شيء يعد فتوى، فلو خرج شيخٌ على الهواء وقال: «أنا مسلم، والقرآن نزل على محمد» فهذا الكلام «فتوى»، فكان لابد أن ينص القانون على التفريق بين الفتوى الخاصة والعامة وإلا سيكون القانون مطاطًا لا قيمة له، وعلى الذين يريدون تطبيق القانون تحديد الموضوعات التي لا يفتي فيها أحدٌ، كأن يمنعوا مثلًا «الكلام في الجهاد» وإلا فلن تستطيع أن تمسك على من يفتي شيئًا.
◄ مع بلوغك 56 عامًا.. هل أنت راضٍ عما حققته؟
لست راضيًا!، لأنني لا قصرت في حق نفسي وانشغلت عن عباداتي الخاصة كثيرًا بانشغالي في قضايا الناس وهمومهم، وأسأل الله أن تغفر هذه تلك، وأن تغفر تلك هذه، ولا يرضى عنه نفسه إلا الأحمق، وأنا لست أحمق، ولكن ولو استدبرت لأمري ما تصديت للدعوة أصلًا، فيا ليتني كنت حطّابًا أو حمالًا، حتى أكون أروق بالًا وأهدأ نفسًا عن الآن.
ختامًا.. نريد منكم نصيحة للأمة الإسلامية؟
«صوموا صيام مُودع، لعلنا لا نلقى رمضان بعدها، واختنموا حياتكم قبل موتكم، وشبابكم قبل هرمكم، صحتكم قبل مرضكم ودنياكم قبل آخرتكم».