الإصلاح المؤسسي.. يا ريت أسرع شوية

انطلقت مصر على طريق الإصلاح الاقتصادي والتنمية، وفي سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية، لجأت إلى الاقتراض الخارجي، وأحد مصادر الاقتراض التي لجأنا إليها هو صندوق النقد الدولي، وفي سبيل الحصول على قرض الصندوق اتبعنا برنامجًا إصلاحيًا، فهو أشبه بروشتة الطبيب، وتتمثل في الحد من التدخل الحكومي في الشئون الاقتصادية، وإعادة توجيه الإنفاق العام من الدعم العشوائي إلى الاستثمار في البنية التحتية، والإصلاح الضريبي، وحرية الأسواق، وتحرير التجارة، وحرية الاستثمارات، والخصخصة، وحرية المنافسة، وتعويم سعر صرف العملة المحلية بحيث يعكس القوة الاقتصادية للدولة.
ويعقب قبول البرنامج الإصلاحي قدوم بعثات للتقييم وهي أشبه بالمتابعة الدورية، فتلك المراجعات تعمل على رصد نتائج توضح مدى استجابة السوق المحلية لتلك الإصلاحات، خاصة مستويات الأسعار ومعدلات التضخم، وبناءً على ذلك توصي بعدد من الإجراءات المكملة التي من شأنها تدعيم الإجراءات الإصلاحية.
وهذا ما حدث مع مصر، جاءت بعثة الصندوق ورصدت نتائج الإصلاح وتأثيرها على مستويات الأسعار، وأظهرت ارتفاع معدلات التضخم لنحو غير مسبوق، إذ وصل معدل التضخم إلى أكثر من 32%، وهو الأمر الذي يستوجب مقابلته بإجرءات تقشفية من شأنها تقليص حدة الارتفاع في الأسعار وسحب السيولة إن وجدت.
إلا إنني أرى أن السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار المحلية وزيادة معدلات التضخم هو عدم زيادة معدلات الإنتاج المحلي بالقدر المطلوب، ومن ثم الصادرات ذات القيمة المضافة المرتفعة، وهو ما انعكس على انخفاض قيمة العملة المحلية، ونتيجة طبيعية لارتفاع قيمة العملة الأجنبية مقابل انخفاض قيمة العملة المحلية، فقد أدى ذلك إلى عدم القدرة على الوفاء باحتياجات السوق من السلع المستوردة، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وزيادة مستويات الأسعار.
وبناءً عليه فقد تم اتخاذ قرار برفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بنسبة 2% في محاولة لكبح جماح ارتفاع معدلات التضخم. قوبل هذا القرار بعاصفة عكسية من السادة الخبراء المصرفيين ورجال الأعمال، وإن كنت أتفق معهم بعض الشيء، وتركزت الآراء حول أثر زيادة سعر الفائدة، على رفع الدين العام، ومن ثم الأثر السلبي على الاقتصاد وخفض معدلات النمو المتمثل في ارتفاع تكلفة الاستثمار في المشروعات كبيرة الحجم، وهو نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار الفائدة والذي ينعكس أثره على زيادة أعباء خدمة الدين، ومن ثم الأعباء التي سيتحملها رجال الصناعة خاصةً أصحاب المشروعات الكبيرة منهم، إلا أنه تم الإبقاء على أسعار فائدة القروض للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة دون مساس، وكذلك العائد على شهادات الادخار.
وبالتالي فإن هذا القرار لن يمس أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ويدعمه توجهات الحكومة بمبادرات لتمويل المشروعات الصناعية، وإطلاق عدد من المشروعات الإنتاجية والمدن الصناعية مثل مدينة الأثاث ومدينة الروبيكي، وهو الأمر الذي يؤكد اعتزام الحكومة تقليص الآثار السلبية التي ستتحملها الاستثمارات المحلية الكبيرة والناتجة عن رفع أسعار الفائدة.
فأهم دعائم تنمية الاقتصاد هو تشجيع الاستثمارات وجذب الأجنبية منها، ومن ثم زيادة الإنتاج وتشجيع الصادرات، فيجب أن يكون هناك تناغم ما بين الاستثمار والتوجه للإنتاج وزيادة الصادرات.
وفي سبيل تحقيق ذلك، نتساءل: "هل يكفي الإصلاح الاقتصادي بمفرده في تحقيق التنمية الاقتصادية؟ وتأتي الإجابة: بـ"لا"، فالإصلاح الاقتصادي لا يمكن فصله عن الإصلاح المؤسسي، بل كان يجب أن نسبق الإصلاح الاقتصادي بخطوات الإصلاح المؤسسي، كي تكون مؤسساتنا مؤهلة لتطبيق فكر الإصلاح الاقتصادي، إلا أن الوضع الداخلي والخارجي المحيط بمصر، بات لا يحتمل أي تأجيل لاتخاذ خطوات الإصلاح الاقتصادي، فكان علينا أن نسير في كلا الطريقين بالتوازي.
إلا أن الملاحظ هو أن الإصلاح الاقتصادي سبق الإصلاح المؤسسي بعدد من الخطوات، وذلك نتيجة البيروقراطية والإصلاحات الهيكيلية التي قد تستغرق وقتا، فما نحتاجه هو أن نسرع من أداء الإصلاح المؤسسي كي لا تتفاقم الآثار السلبية للإصلاح الاقتصادي، مثل زيادة معدلات التضخم.
فعلى سبيل المثال نحتاج أن نركز على ثقافة التوجه التصديري، وأن نتعامل مع التصدير باعتباره قضية حياة أو موت، وفي ذلك المضمار يجب ترسيخ أهمية الجودة والالتزام بالمواصفات للسلع المصدرة، كي لا نفقد أسواقا، وهذا الأمر بالنسبة للشركات الخاصة، وكذلك شركات قطاع الأعمال العام.
فقد روي لي أن هناك بعض الأسواق التصديرية قد نفقدها وتنخفض قيمة وكمية السلع المصدرة لتلك الأسواق بسبب عدم التزام بعض الشركات بالمواصفات المطلوبة ومعايير الجودة، والأخطاء المتكررة في مواصفات الشحنات المطلوبة والمتفق عليها، والغريب في الأمر أن تلك الشركات قد تكون تابعة لقطاع الأعمال العام.
وفي ذلك الشأن، روى لي أحد رجال الأعمال أنه كان يستورد من إحدى شركات قطاع الأعمال العام بما يفوق قيمة الـ 15 مليون دولار، إلا أن الشحنة المرسلة تصل بمواصفات غير دقيقة، وتكرر هذا الأمر، فكانت النتيجة أن انخفضت وارداته من مصر إلى أقل من 3 ملايين دولار واتجه إلى الاستيراد من دول أخرى كالهند والبرتغال.
تلك الواقعة تجعلنا نطالب بمزيد من الإصلاحات المؤسسية في تلك الشركات.
كما يجب علينا الإسراع في خطوات إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار حتى تتحقق الاستفادة المرجوة المتمثلة في تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية خاصةً الخليجية.
ولا يجب أن نتغافل عن المضي قدمًا في الإصلاح المؤسسي والإداري لجميع مؤسسات الدولة، واتخاذ خطوات لا بأس بها، ولكنها تحتاج إلى استكمال أركانها والإسراع بتفعيلها.
فالإصلاح المؤسسي قد يصل في مرحلة من المراحل لأن يكون أهم من الإصلاح الاقتصادي نفسه، تلك المرحلة؛ هي المرحلة التي قد تؤثر سلبًا على خطوات الإصلاح الاقتصادي وتحد من انطلاق قاطرة التنمية.