يستخف كثيرون بالجهود الرامية لمحاربة تنظيم داعش فكريا، ويستخف البعض أكثر بمقولة أن الحرب الفكرية لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية الهادفة لإنهاء وجود هذا التنظيم الإجرامي والدموي في بعض المناطق من البلاد العربية كمصر وسوريا والعراق وليبيا، لكن ما لا يعلمه هؤلاء أنه من غير الممكن التخلص من هذا التنظيم عسكريا طالما أفكاره منتشرة في بعض المجتمعات إلى حد الدفاع المستميت عنه تحت تغطيات ومسميات عديدة.
فقد استطاعت بعض التنظيمات التوغل في المجتمعات العربية والإسلامية تحت ستارة الدين، وجعلت من التطرف الفكري أداة فعالة لها للانتشار، ومنها تنظيم الإخوان المسلمين وباقي تفرعاته من تنظيمات القاعدة وصولا إلى تنظيم داعش، فعلى سبيل المثال لا الحصر وصلت الأمور إلى حد يرفض فيها بائع مسلم البيع لزبون مسيحي، ووصلت الأمور إلى حد الترحم على قتلى تنظيم داعش في سوريا والعراق باعتبارهم حماة الدين والشريعة، (وهذا موثق ومؤكد)، ووصلت الأمور عند البعض إلى انتقاد ضرب قواعد الإرهابيين في ليبيا باعتبار أن ما في ليبيا في ليبيا وما في مصر في مصر، وأن هذه القواعد هي لمجاهدين يريدون تطبيق الشريعة.
ومن يراقب مواقع التواصل الاجتماعي يرى بوضوح الانحراف الفكري الكبير لدى شريحة واسعة من المجتمعات العربية، التي تدافع من غير وعي عن وجود الإرهابيين، والأمثلة كثيرة، ومنها انحياز شريحة كبيرة من مسلمي سورية لتنظيمات داعش وجبهة النصرة وجميع أفرع الإخوان المسلمين بحجة مواجهة قوات سوريا الديمقراطية التي تتألف من شرائح مجتمع شمال سوريا وأفضلية عددية لأبناء القومية الكردية.
وقد سبق هذا الانحراف موجة من الإشاعات والأخبار الكاذبة المحرضة على هذه القوات، حيث تم اتهامها بالقتل والتهجير لإقامة كانتون دردي خالٍ من المكون العربي، وقد نشطت معظم الوسائل الإعلامية المتأسلمة، وعلى رأسها طبعا قناة الجزيرة القطرية وباقي المواقع الرديفة الممولة من الخزائن القطرية، ومعها صحافيون وإعلاميون وناشطون محسوبون على الثورة السورية على بث هذه الأكاذيب حتى تولدت لدى أفراد المجتمع صورة كاذبة كان بنتيجتها ظهور حالة من النفور من القوات المقاومة لداعش.
ومن الواضح أن القائمين على نشر الفكر الداعشي كانوا حريصين أشد الحرص على إيجاد هذا التطرف لضمان الوجود في البلدات والمدن والقرى حتى بعد زوال السيطرة العسكرية، فالتنظيمات الإرهابية بالأساس تعتمد على العمل في الخفاء ونشر سمومها من تحت الأرض، وكان ظهور دولة داعش المزعومة حالة شاذة، لكن يبدو أن هذه الدولة ستبقى في النفوس رغم قرب انهيارها الفعلي.
وفي الناحية المقابلة، أي لدى غير الواقعين في فخ الدعشنة من المسيحيين والأكراد والآشوريين والسريان وغيرها من مكونات بلاد المنطقة العربية، بدأت تظهر حالة عدائية لمواجهة الخطر الداعشي، والاتهام من قبلهم يطال المسلمين بشكل مباشر على اعتبار أن الأغلبية تكفرهم وتنفر منهم، وبالتالي فإن المنطقة مقبلة على الحرب الحقيقية التي أرادها المتطرفون فكريا ولن ستكون دولة داعش وما رافقها من ويلات وجرائم إلا مجرد بداية لحمام الدماء الحقيقي الذي ستغرق به المنطقة.