أي إله هذا المتعطش لدماء تسيل؟ وأي إله هذا الذي يُتَعبَّد بإزهاق أرواح بريئة لم تقترف إثما؟ أي إله هذا الذي يأمر أتباعه بأن يأمروا خلقه تحت أسنة الرماح أن يؤمنوا به؟ أي إله هذا الذي هو من الفقر والعوز بأن يطلب من أتباعه أن يشاركوه في الحكم على الناس وأفعالها؟ أي إله هذا الذي يكون التقرب إليه بالذبح والقتل والحرق والسبي!؟
إله دموي، يخلق الخلق، ثم يأمر بعضهم بقتل بعض، إله سادي يسعد بمشاهدة الدماء تسيل والدموع تذرف، والقلوب تتقطع، والعائلات تتشرد، إله عبثي يخلق الناس مختلفين، لكي يرى فئة منهم تقطع أوصال فئة أخرى، إله يخلق آلاف الملل والنحل لتؤمن أتباع أحدهم أنها فقط الصواب، وما دونها خطأ، وعلى الجميع أن يؤمنوا صاغرين! بها وإلا ستكون نهايتهم المحتومة هي القتل أو السبي أو التشريد.
هذا هو إله هؤلاء القتلة السفاحين، الذين يعيثون في الأرض فسادا، فيقيمون كمينا لحافلة تقل مجموعة من الأقباط في طريقها لأحد الأديرة في رحلة روحانية يعبدون إلها محبا للإنسان، متسامحا معه، يمنحه الأمل، كما يمنحه السعادة، يعامل خلقه معاملة الأب الحنون لأبنائه، إله محبة، مُنْعِم، يرعى بفضله كل خلقه، يحبهم ويحبونه، ذلك الحب الذي هو أصل الإيمان وجوهر العقيدة، كما هو في القرآن الكريم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحبونه".
يختلف الإله باختلاف تصور البشر له، فمن يؤمن بالعنف، ويرى أن على الناس جميعا أن تجبر جبرا على تصوره لله، فإنه ستكون لديه صورة عن إله عنيف لا يقبل من خلقه الذي خلقهم مختلفين، إلا صورة واحدة من الإيمان به، يسعى هؤلاء الإرهابيون إلى فرضها فرضا على كل البشر، ذلك الذي كان شاخصا، فيما تم نقله عن هؤلاء القتلة الإرهابيين الذين صوَّبوا أسلحتهم على رؤوس الأقباط – في حافلة المنيا – ليطلبوا منهم النطق بالشهادتين!! أي إيمان هذا الذي يطلبون؟ ألم يسأل أحدهم نفسه سؤالا: ماذا لو تلفظ، جدلا، أحدهم بهذه الشهادة، هل يكون قد اعتنق هذا الدين؟ وهل ساعتها كان سينجو من ذلك المصير الذي آل إليه؟
أما ما فعله الأقباط فلقد ضربوا مثلا في الإيمان بعقيدتهم، فلم يتخل أحدهم عن تلك العقيدة وهو تحت تهديد السلاح، واختاروا جميعا أن يلقوا الله على تلك العقيدة، أليس في ذلك قمة روعة الإيمان؟ الذي هو متباين عن غيره عند أصحاب العقائد الأخرى، إن هذه الصورة من الإيمان قلما تجد لها مثيلا في البشرية كلها، فلم يلجأ هؤلاء الأقباط البسطاء لمبدأ التقية، لينجوا من ذلك المصير، ولكنهم فضلوا الموت بهذه الطريقة البشعة، معلنين انتصار الإيمان، ومؤكدين عدم الخوف من الموت، ضاربين مثلا في الشجاعة، منتظرين الأبدية "الجنة"، وهم على دينهم يؤمنون به، ويعبدون الله سبحانه وتعالى بتعاليمه، رافضين طوق نجاة بالتلفظ دون إيمان بعقيدة أخرى خوفا من الموت أو طمعا في الحياة.
إن ما قام به هؤلاء المؤمنون الأبطال الذين ارتضوا الموت على أن يتركوا دينهم لدرس في الإيمان بالعقيدة، إن هؤلاء المصريين الأقباط قد تربوا على أن الموت أهون عليهم من خيانة عقيدتهم بالتخلي عنها، هؤلاء الذين، مثلهم مثل الغالبية العظمى من المصريين الأسوياء الذين يؤمنون أن العقيدة هي علاقة خاصة بين الإنسان وربه، علاقة لا يمكن فرضها بالقوة، ولكنها تتغلغل في النفس، وتسكن القلب، وتملأ الروح، ذلك الذي لا يمكن أن تفرض بالقوة فرضا ولا تغرس بالترهيب غرسا، ولذلك لم يحاولوا فرض قناعاتهم أو إيمانهم على الآخرين، ولكنهم حافظوا على إيمانهم في قلوبهم، وقبلوا من الآخر إيمانه المختلف، لأن إلههم وإلهنا جميعا الحق خلق الناس مختلفين ولذلك خلقهم قال تعالى "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين".
لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يقنعنا أحدهم أن الله عز وجل يمكن أن يقبل "إيمانا" جاء تحت أسنة الرماح؟ ألم يكن، وهو ذو القدرة المطلقة، قادرا أن يخلق الناس جميعا على عقيدة واحدة ودين واحد ومذهب أوحد؟ ولو فعل سبحانه وتعالى، هل كان سيصبح هناك للإنسان الذي خلقه مختارا، أية مجالات لهذا الاختيار!؟
إن الله العظيم الذي نؤمن به جميعا أرحم وأحن على العبد من الوالدة بولدها ، بل أرحم على العبد من نفسه، إنه هو الرحمن الرحيم، الذي لا يظلم شيئا وهم يظلمون، وهو العدل المطلق، والرحمة المطلقة، جبار على المفسدين، منتقم من الظالمين، الذين تخيلوه بتلك الصورة السيئة في أول هذا المقال.