قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

التنمية المستدامة مهمة.. لكن دون إغفال لأولوياتنا


يعتبر وجود قانون واضح للاستثمار ينظم طبيعة العلاقة ما بين المستثمر والدولة من أهم معطيات جذب الاستثمارات للدولة، كما أن تحديد الجهات المؤسسية المعنية تساهم بلاشك في تيسير بيئة العمل دون بيروقراطية.

وأول العناصر التي يهتم المستثمر بها هو توجهات الدولة التنموية، فينظر إلى المناطق الجغرافية والقطاعات الصناعية التي ترغب الدولة في تنميتها، ومدى وجود تيسيرات، أو حوافز للاستثمار في تلك المناطق أو تلك القطاعات الصناعية.

فإذا ما تحقق المستثمر من تلك النقاط، فإما أن يتشجع ويأتي إلى تلك الدولة، أو أن يتخذ الطريق المعاكس ليفر هاربًا باستثماراته إلى دولة أخرى تقدر خطواته التنموية.

وفي ضوء تعاظم المنافسة الدولية لجذب الاستثمارات، أدركت الدول أنه لا بديل عن التيسير على المستثمر بهدف جذب مزيد من الاستثمارات.

وجذب الاستثمارات لن يتحقق إلا من خلال الإصلاح المؤسسي واستهداف وضع سياسة صناعية واضحة المعالم للمستثمر القادم سواء أكان مستثمر محلي أم أجنبي.

ويتبادر إلى الأذهان سؤال جوهري، وهو هل يمكن لجميع الدول باختلاف قدراتها المؤسسية أن تتبع سياسة صناعية موحدة؟ أي هل يمكن أن أستعير سياسة صناعية طبقت في دولة أخرى؟ الإجابة ستكون بالنفي. نظرًا لأن السياسة الصناعية المتبعة لابد أن تتسق مع القدرة المؤسسية للدولة.

ففي ذلك الإطار يمكن تحديد ثلاثة أنواع من السياسات الصناعية، هي السياسات الصناعية الأفقية، والسياسات الصناعية القطاعية المختارة، وأخيرًا السياسات الصناعية الشاملة، فكلٍ من هذه السياسات الصناعية له آلياته وترتيباته المؤسسية، فالدول ذات القدرات المؤسسية المحدودة تستطيع فقط الخوض في السياسات الأفقية ووفقًا لتزايد قدراتهم المؤسسية بمرور الوقت، يمكنها الانتقال إلى السياسات القطاعية ثم الشاملة.

فالسياسات الصناعية الأفقية ترتبط بمحدودية البنية المؤسسية التحتية، ومن ثم تتسم بمحدودية آليات التنفيذ، وتعتمد بدرجة أكبر في تنفيذ إستراتيجياتها على كلٍ من التنمية البشرية، وتطوير المعايير الإنتاجية المرتبطة بمراقبة جودة الإنتاج والمواصفات ومنح شهادات الجودة، التي تساهم في رفع درجة جودة الإنتاج المطلوبة، بالإضافة إلى تقديم حوافز تنمية وتطوير البنية التحتية والبنية المؤسسية المرتبطة ببيئة الأعمال.

وبالنسبة إلى السياسات القطاعية المختارة فإنها تتطلب قدرة مؤسسية أكثر تطورًا، نظرًا لأنها تركز على قطاعات صناعية محددة، وبالتالي يخضع تنفيذها إلى مجموعة أكبر من الآليات، وقد تهدف تلك السياسات القطاعية إلى رفع القدرة التنافسية لعددٍ من الأنشطة الصناعية.

أما السياسات الصناعية الشاملة فهي تستهدف تنمية القدرات العلمية والتكنولوجية، وتتطلب أطرًا مؤسسية تتسم بالكفاءة، وقدرات إدارية وتنسيقية، ومن خلال هذا النوع من السياسات تتحقق التنمية العلمية والتكنولوجية وتتحسن القدرات الإنتاجية في القطاعات الصناعية المختارة، حيث يتم تطبيق منهج التجمعات التكنولوجية وتسعى تلك السياسات إلى الاستفادة من الأبحاث المتقدمة ذات النظرة المستقبلية التي تهتم بأبعاد التنمية المستدامة.

وباستعراض تلك الأنواع من السياسات الصناعية وعلاقتها بالقدرات المؤسسية للدولة، يتضح أن مصر قد قطعت شوطًا لابأس به بالنسبة إلى السياسات الصناعية الأفقية، ولم تركز بما فيه الكفاية على تحقيق السياسة الصناعية القطاعية، في حين انتقلت مباشرة إلى النوع الأكثر تعقيدًا من السياسات الصناعية وهو السياسة الصناعية الشاملة التي تهتم بأبعاد التنمية المستدامة، وهي السياسة الأكثر ملائمة للدول الصناعية الكبرى.

فما نحتاجه هو أن نرجع قليلًا إلى النوع الثاني من السياسات الصناعية لنركز على التنمية القطاعية لعدد من القطاعات الصناعية لنمنحها مزيدًا من الاهتمام، وذلك كي تتضح الصورة أمام المستثمر المحلي والأجنبي، ليحدد بوصلة اتجاهاته الاستثمارية، ولكن سيحدد تلك البوصلة وفقًا لما نحتاجه نحن، وبما يتفق مع متطلباتنا التنموية، وبالتالي نستفيد من قانون الاستثمار في تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة التي ستنعكس على الجميع وفقًا للاحتياجات الفعلية لمواطنينا، وليس وفقًا لوجهة نظر وتوجهات الدول الصناعية الكبرى التي انتهت من مرحلة التنمية الصناعية القطاعية ولم تمل بل اتخذت خطوات كبيرة في سبيل تحقيق التنمية الصناعية الشاملة، وتطبيق مبادئ التنمية المستدامة.

أما نحن فلا يجب أن نكون مجرد أبواق تردد تلك المبادئ دون أن نبحث عن أولوياتنا في التنمية الصناعية القطاعية، التي تخدم أهدافنا التنموية، وفي تلك الأثناء يمكن أن نطبق أهداف التنمية المستدامة، لكن دون إغفال لاحتياجاتنا وأولوياتنا.