ملت الآذان المصرية من كلمة تجديد الخطاب الدينى.. فى الاذاعة تسمع تجديد الخطاب الدينى.. فى كل البرامج الحوارية الان.. تجديد الخطاب الدينى .. فى حوار مع كل رجل دين أو سياسى أو مفكر تسمعها أيضا ! فما برحت الساعات تمضى فى يومنا الا وتسمع تلك الكلمة !
فى ايطاليا بجوار ساحة المعجزات هناك برج شهير يدعى (برج بيزا المائل) والذى كان يُحتسب من ضمن عجائب الدنيا السبع.. ولكن ميل هذا البرج ظهر أثناء بنائه منذ عدة قرون ولكنه اُغلق فى عام 1990 م لانه معرض للانهيار فى أى لحظة ومُنع السياح من زيارته محاولين اصلاحه بدعامات وسنادات ...
هل نحن الان فى صراعنا مع أسقام الخطاب الدينى نشبه المهندسين الايطاليين فى سند برجهم المائل منذ عام 1990 ؟ ولم ينجحوا حتى الان فى سند خطاباتنا الدينية اسلامية كانت أو مسيحية ؟!
اعترفنا منذ سنوات ليست بكثيرة بأن هناك أسقاما للخطاب الدينى فى مصر وربما اقتصرت الكُليمات فقط على العنف أو بث الكراهية ولكن فى رأيى ان اسقام اى خطاب دينى خُطبة كانت أو عظة ليس فقط العنف وانتهاك المواطنة وإن كان أهمها، ولكن أسقام الخطاب الدينى تضم الكثير من الأخطاء الفكرية التى تملأ عقول شعب يحترم الدين احترامًا جللًا وله قدسية فى عقله بل وأيضا نقطة شائكة لا يمكن المساس بها سواء اقباطا أم مسلمين ..
يعترينى بل وتسكن بين ضلوعى الحسرة عندما أرى أسقاما اخرى لذلك الخطاب كمثل الخنوع والاستسلام والتبلد لدور الضحية وربما الاصعب والاخطر هو المتاجرة بتلك الآلام ..
وعندما استفاقت مؤسسات الدولة لتغيير ومعالجة تلك الاسقام أطلقت مبدأ تغيير الخطاب الدينى الشهير وكأن الشيوخ أو الكهنة وهم المنوطون بذلك الدور مجرد آلات او (روبوتات !! ) –وهى كلمة أعجمية تعنى انسانا آليا - سنطلب منهم التغيير، فنغير الاسطوانة بمنتهى السهولة !!
وهنا سنكون مثل الذى حاول ترقيع الدستور فى فترة ما وأثار غضب المستنيرين وسنكون مثل مهندسى ايطاليا الذين يحاولون اصلاح اعوجاج البرج ولم ينجحوا لان المشكلة ببساطة تكمُن فى البنية التحتية لا فى افكار الشيوخ والكهنة فهم بشر لهم احترام جم ومكانتهم الرفيعة وقدسيتهم التى يتخذونها من خدمة دور العبادة .. لا هجوما عليهم ولكن لماذا يستأثر رجل الدين الذى يعظ فى الكنيسة والمسجد يوم الجمعة بمكبر الصوت له وحده؟ لماذا لا تتحول الصيغة الجوهرية لتلك الجلسة كلها الى نقاش دينى ؟ أهو مساس بأسس العقائد ؟ أهو مساس أو تجديف على الدين !؟ حاشا لله ! أم أن من متطلبات الجلوس فى دور العبادة خشية من الله ان نجلس وكأن على رؤوسنا الطير ؟ اذا كان الله-جل جلاله- يسمح للانسان أن يناجيه ويشكو همه وكبده..
لماذا تشبثنا بتلك الكلمة التى استُهلكت؟ (تجديد الخطاب الدينى) ..عفوا نحن لن ندهن ذلك الخطاب بلون جديد ولن نرممه ولكن سندعو كل كاهن وقس وشيخ الا يستأثر بالخطاب وحده ! لن ندعه يستجيب لصمت العقول والالسُن..فما بالكم لو كانت الخطبة والعظة مفتوحة ؟ ما بالكم لو قوبل شيخ يحرض على العنف او كاهن يبث فى عقول أولاد الله أن الموت والخنوع هما مصيرنا المحتوم الذى نحن مسلمين له بعقول شباب مستنيرة !!! وبتساؤلات وباعتراضات مهذبة.
فمعروف عن الجلسات الحوارية المفتوحة انها تسمح لشخص مستنير فى بدايتها ان يتكلم فيشجع الاخر الذى لم يحظ بنفس جراءة الاول بل وتسمح لشخص ثالث أن يفكر وأن يثير نقطة مهمة فيأخذها الاخر ويفكر فيها الى أن يصل منزله بعد القداس او صلاة الجمعة..
على التضاد المطلق,فالجلسات المفتوحة تفتح الافاق اكثر وتعلق بأذهان المستمعين أكثر ولا تجعل منهم آلات تسجيل وتجند عقولهم الباطنة ضدهم ليظل عقل الانسان الباطن يردد تلك الكلمات والاسقام التى نحاول نعالجها حتى بعد قضاء فروض الصلاة ..ربما تظل عالقة بالذهن لفترات طويلة.
فهل يا تُرى سنجدد البنية التحتية للخطاب الدينى والنقاش الدينى قبل ان ينجح الايطاليون فى اصلاح اعوجاج برجهم؟