قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

نظرة في زيارة البابا

×

في اللحظة التي يظن فيها الإرهابيون، والذين كل ظنهم إثم، أنهم قد استطاعوا النيل من أمن مصرنا الغالية، وفي الوقت الذي يزعمون فيه أن مخططاتهم قد اتت بثمرة من ثمارهم الحنظل، وفي الحين الذي يدُعون أن هناك ضعفا في الانتماء قد اعترى أبناء هذا الشعب، فإذا بموقف يذهب بهاتيك الظنون وذاك الزعم وذلك الادعاء إلى أتون نار ملتهبة لا تبقي منه ولا تذر.

زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان نموذج حي يمشي على قدمين يقدم البرهان على ما نقول، فلقد سبقت تلك الزيارة ضربة موجعة لمصر تمثلت في الاعتداء الإرهابي على كنيستي طنطا والإسكندرية والذي راح ضحيته عشرات الشهداء من أقباط مصر ومعهم عدد من أبطال رجال الشرطة البواسل إضافة لعشرات المصابين.

ولقد تحولت مصر كلها على إثر هذين الحادثين إلى مأتم كبير، ذرفت فيه الدموع على أرواح شهدائنا الأبرار، ومُلأت نتيجة لهذا الحادث النفوس ألما والقلوب حزنا، تلك القلوب التي لم تيأس يوما في اقتلاع آفة الإرهاب من جذورها.

ولقد عكس هذين الحادثين البشعان من زاوية ما تلك الروح المتلاحمة بين أبناء شعبنا بطائفتيه: المسلمين والأقباط، تلك الروح التي تجلت في زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان للقاهرة يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شهر إبريل الذي غادرنا منذ ساعات.

فالقراءة الأولية لزيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان للقاهرة تعكس أول ما تعكس تلك الحفاوة البالغة لضيف مصر الكبير - والذي هو أهم شخصية روحية في العالم المسيحي - ليس على المستوى الرسمي، والذي هو أمر طبيعي، فحسب، بل على المستوى الشعبي الذي يحتاج إلى نظرة تمعن؛ فالأغلبية في مصر تدين بالإسلام، وهذه الأغلبية المسلمة قد تم العمل خلال نصف قرن أو أكثر لتغيير مفهوم التعايش لديها وقبول الآخر، ولسنا في حاجة هنا إلى سوق أدلة أو ضرب أمثلة، فالأمر أوضح من الشمس في كبد سماء صيف ملتهب، ولعله من الحكمة أن نعلن معترفين أن تلك الجهود قد أتت بنتيجة، وقد ترجمت بأفعال، وقد تمثلت في تيار، ذلك الذي هو أيضا واضح جلي، ليس في حاجة إلى بحث أو تدقيق فهو يسير على قدمين بيننا.

أثبتت زيارة البابا أن ذلك التيار وتلك المجهودات، مع اعترافنا ببعض نتائجها، لم تستطع أن تغير المفهوم العام لدى الشخصية المصرية من إنزال الناس منازلهم، ولم تنجح بدرجة نعلن على إثرها تبديل حاد في التكوين الطبيعي للعقل الجمعي المصري، وهو ما يجب أن نحرص على الحفاظ عليه.

لقد أحسن الشعب استقبال رجل الدين الأول في العالم المسيحي، وكأني بالشعب معلِّما يلقن الدروس، وكأني به متعمِّدًا توجيه رسالة مفادها، أن الشخصية المصرية في صفاتها الكلية، عصية على التغيير والتبديل، وعلى من يبذل الجهود، وينفق الأموال، ويهدر الأوقات أن يتمتع ببعض من عقل، وقليل من حكمة وجزء من لُبٍّ ويترك مصر وشعبها لشأنهم وينشغل بأمره هو، ودولته وشعبه.

جاء مؤتمر الأزهر للسلام ليطفئ لظى نار مستعرة في عقول أشخاص من أمثالي، تلك النار الناتجة عن سؤال ذهب بعقلي كل مذهب، وهو كيف للأزهر الشريف رمز الاعتدال ألا يقوم بتكفير من يقترفون تلك الجرائم البشعة في حق الإنسانية، فإذا بمولانا الإمام الأكبر شيخ الأزهر يضمن خطبته كلمات بسيطة مزيلة للبس ومطفئة لتلك النار حينما أعلن أن هذه الفئة من المؤمنين بالإسلام اختطفت أجزاء وآيات وفسرتها بالخطأ لترتكب هذا الإرهاب الذي لا يقره دين في فهمه الصحيح؛ وهنا يظهر بوضوح أن هؤلاء الإرهابيين مؤمنين بالإسلام، ذلك الذي لم يجعل الأزهر يخرجهم من الملة، ولكنه أكد على اختطافهم لهذا الدين، وهو ما يعظّم ذلك المجهود المنتظر من المؤسسة الدينية الأهم في العالم الإسلامي.

وفي الزاوية الأخرى من الصورة المكتملة جاءت كلمة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان تحمل معاني الحب والتسامح والتسامي والصفاء وليتم الإعلان عن العودة لحوار الأديان التي بينها الكثير من القيم الإنسانية والقواسم المشتركة.

لم يكن القداس الذي أقيم في استاد الدفاع الجوي ورأسه بابا الفاتيكان في حضور أكثر من خمس وعشرين ألف شخص، ومتابعة المصريين جميعا له مجرد قداس عادي بل تعدى هذه الصفة ليعلن للعالم كله أن الصلوات لله في مصر لأية عقيدة يقبل بها أبناء الشعب الذي يؤمن أن الدين لله والوطن للجميع.

لا يستطيع المراقب أن يغفل ذلك الاتفاق التاريخي الذي تم بين المذهبين المسيحيين الاكبر: الكاثوليك والأرثوذكس باعتماد العماد في كل من المذهبين في خطوة كبيرة لالتحام الكنيستين، والذي وُقِّع على أرض مصر المباركة، ذلك الذي سيظل يُذْكَر على مدار التاريخ، تلك الخطوة التي قذفت في ذهني عدة أسئلة حول المذهبين الإسلاميين الكبيرين: السنة والشيعة وهل يمكن أن تكون القاهرة أيضا من خلال ازهرها الشريف مكانا لتقريب حقيقي بين المذهبين والعمل على نزع فتيل تلك الحروب الطائفية المشتعلة بين السنة والشيعة، ويحذو حذو المذهبين الكبيرين في الديانة المسيحية الكبيرة!!؟