منذ أن بدأت الحياة على كوكب الأرض إلى يومنا هذا، كانت تظهر دائما كائنات جديدة، وتتحور كائنات أخرى لتتكيف مع الظروف، أو تنقرض وتختفي إذا عجزت عن المواجهة في الصراع على البقاء كما حدث للديناصورات.. لكن، أن يحدث التغيير تلقائيا ومن تدبير الخالق سبحانه وتعالى فهذا شىء، أو أن يتم التلاعب بالمخلوقات وتغييرها على أيدي البشر فهذا شىء آخر يختلف.
فكرة التدخل لتغيير صفات المخلوقات بدأت بنية حسنة ومحاولات كانت تهدف إلى تحسينها، وقبل أن نتحدث عن الإنسان، نعود بالذاكرة لما حدث للنباتات من تغيير مقصود في شكلها وثمارها في السنوات الماضية، بحجة زيادة مقاومتها للآفات، أو تقليل حاجتها للمياه، أو زيادة الإنتاج لسد حاجة النمو السكاني المتسارع.. رأينا ثمارا بلا بذور، ومحاصيل تظهر في غير أوانها، وثمارا أكبر حجما لكن بلا طعم.. وحدثت للحيوان والطير تحويرات مشابهة أيضا، تضاعف من خلالها إنتاج اللحم والحليب والبيض.. الحجج التي سيقت كانت مقنعة، والأبحاث كانت ناجحة والنتائج جاءت مبهرة، لكن مع شىء من الأسف على اختفاء بعض ثمار ومنتجات "الزمن الجميل".
حتى الآن، حوالي 2300 محصول تم التدخل فيها جينيا، منها الذرة وفول الصويا والقطن والأرز والخيار والطماطم والبرتقال والعنب والتفاح، وأكثر الدول التي تقوم بهذا النوع من الأبحاث هي الولايات المتحدة الأمريكية، وتعددت طرق التلاعب بالمادة الوراثية حتى وصلت لمرحلة خطرة جدا على صحة الإنسان إذ وصل الأمر إلى زرع بكتيريا وفيروسات في خلايا محاصيل يستهلكها البشر، وفي هذا اتهام مباشر لهم بالسرطنة.. وقد أحرق متظاهرون غاضبون مركزا لهذه الأبحاث في ولاية ميتشيجين الأمريكية عام 1999، ولا تزال الاعتراضات على هذا النوع من الأبحاث مستمرة إلى يومنا هذا.
تحسين الكائن أو تخريبه، على أي وجه يؤخذ، مستمر بل ويتسارع في خطاه،.. والآن، جاء دور التلاعب في خلق الإنسان.. كيف ؟
تجري استعدادات حاليا لإجراء عملية نقل الرأس من شخص إلى آخر.. لو تمت هذه العملية بنجاح ثم تكررت وأصبحت روتينية، فكيف تعرف درجات القرابة وكيف توزع المواريث وما هو مصير الزوجات والأطفال؟ كما تجري التحضيرات أيضا في مركز القلب بولاية تكساس الأمريكية لاستبدال قلوب البشر بقلوب قردة وخنازير.. فأي بشر هذا الذي سيمشي بين الناس وفي صدره قلب قرد أو قلب خنزير؟
ومنذ حوالي أربعة أشهر (في يناير 2017) تمت ولادة طفلة من ثلاثة آباء.. نعم، ثلاثة آباء.. وتكررت الحالة في المكسيك، وقبلها في جامعة نيوجرسي الأمريكية.. إن إضافة مادة وراثية من شخص ثالث بجوار الأب والأم، حتى لو كانت بكمية صغيرة بغرض التخلص من مرض وراثي عند الأبوين سيكون أمرا مفيدا من جهة لأنه سيحول حياة طفل منكوب إلى طفل سليم معافى، لكنه من جهة أخرى اجتياز لخط أحمر وهو اختلاط الأنساب وفوضى القرابة.. ولاحقا ربما تشارك في العملية عدة أطراف، وعلى عدد هذه الأطراف، يحسب "عدد الآباء" المشاركين في كل طفل !.
الأغرب من هذا وذاك، يدور الحديث حاليا عن فتح عيادات في السنوات الخمس المقبلة في الدول الغربية لـ "بيع الصفات": بيع عيون خضراء، شعر اشقر، قامة طويلة، إلخ، وبنوك لتوفيرها أيضا بأسعار لا تخلو من المتاجرة والابتزاز!.
ولم يقف الحد عند تغيير مورثة أو كروموسوم صغير، أو إدخال صفة، بل اتسع الأمر إلى دمج النطف التي كانت في الماضي لا تتحد في الظروف الطبيعية.. دمج كروموسومات الإنسان مع الخنزير أو مع البقر.. وهذا الكلام ليس من نسج الخيال بل من واقع ملموس، فقد حصلت الموافقة لإحدى المؤسسات البحثية البريطانية على تخليق جنين خليط من الإنسان والبقر لاستخدامه في أبحاث نقل الأعضاء، وقيل أن إنسجته ستكون أفضل من أنسجة البشر، كذلك تم ابتكار ما يسمى بـ "حقيبة الأعضاء" وهي عبارة عن طفل قطعت رأسه في مراحل الجنين الأولى ليزرع في رحم امرأة مستأجرة وينمو بلا رأس ويستخدم كخزين أو "بنك" لتوفير الأعضاء وبيعها لمن يحتاج إليها.
في زمن التطور العلمي المتسارع الذي نعيشه أصبح من الصعب التفريق بين التقنية المفيدة والتقنية الضارة، ومن المؤكد أن جموع المواطنين ورجال الدين والحكومات ومن ورائهم المؤسسات العلمية الأمينة ستراقب هذا النوع من الأبحاث بكل دقة، ومن حقها وضع المعايير التي تراها مناسبة لتقييدها والحد منها، لكن المشكلة تكمن في مراكز الأبحاث الخاصة التي تعمل في السر ولا رقيب عليها وتتحدى الضمير الإنساني، لديها تمويل ذاتي وتسعى للربح بشتى الطرق.