قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

اضطهاد الأقباط في مجتمع مريض

×

إن أخطر شيء يمكن أن يهدم أية دولة هو الفتنة الطائفية.. وإلى الآن، بفضل الله، لم تصل مصر، ولن تصل، لتلك الفتنة، ولكننا إذا لم نواجه أنفسنا ونعلم أن هناك تحريضا طائفيا، وأن هناك من يستهدف الأقباط لكونهم مخالفين في العقيدة، وليس مجرد مناوشات، كما يدعي البعض، وأن هناك من يعتبر أن فئة من أبناء شعبنا لا تستحق الحياة، وأن هذا للأسف مرشح ما لم نواجهه بكل حسم وحزم وقوة للزيادة، هذا الترشح للزيادة الذي يجب أن نسعى جميعا إلى محاصرته بمواجهة الأمر وليس بإنكاره.

كما قيل سابقا، فإن أولى خطوات علاج أي مرض، هو الاعتراف بوجود هذا المرض، ثم الفحص الدقيق للتعرف المرض ذاته، ومعرفة أسبابه، ثم الوصول لطريقة علاج ناجعة له.

من الخطأ الشديد النظر لما يحدث لأقباط مصر على كونه مشاكل اجتماعية أو خلافات شخصية، أو نزاعات أسرية يكون أحد اطرافها قبطيا، فذلك عينه هو ما يحول بيننا وبين الاعتراف بالمرض والتعرف عليه، فلو وُجِدَ ما كان سالف الذكر توصيفه، فنحن هنا لسنا بصدده، وليس من باب المرض الذي نطالب بالاعتراف به، فذلك كائن في كل المجتمعات، وموجود في كافة البلدان، ومنتشر في أغلب الدول، وذلك يحكم فيه بل وينهي نزاعاته القضاء، دون عناء.

أما ذلك الذي نخشى كل الخشية على كيان الدولة ذاتها والوطن عينه منه، فهو ذلك الاستهداف للأقباط لأنهم يخالفون الأغلبية التي تسكن وطننا في العقيدة، إن التمييز على أساس طائفي، يتبرأ منه دستورنا براءة تامة، وتنفر منه قوانينا نفور الصحيح من الأجرب، وتبعد عنه النصوص المكتوبة بعد المشرق عن المغرب، ولكن كل ذلك شيء، والواقع شيء آخر، فالتمييز يملأ نفوس عديد من أبناء شعبنا، والشعور بالتعالي يسيطر على أغلبية بيننا، وتسلل الإيمان بفكرة الاضطهاد تتغلغل في المقابل في أعماق إخواننا من الأقباط، وهكذا يجب أن نوصِّف الحالة، لكي نسمح لعقولنا بالبحث فيها ومعرفة كافة تفاصيلها، والوصول إلى وصفة علاجية ناجعة.

فحينما يكون هناك بيننا من ينادي بعدم تهنئة الأقباط بأعيادهم، لأن في ذلك اعتراف منا بهذه العقيدة، التي هي عند من ينادون هذا النداء فاسدة، محرفة، باطلة، وفي ذات الوقت يخدع أصحاب هذه الدعوة أنفسهم ويخدعوننا، حينما يزعمون القدرة في أن يعامل الأقباط من قبلنا معاملة حسنة، بعد تلك الدعوة إنه الخداع في أوضح صوره وأشنعه، فبعد أن يملؤوا النفوس نفورا من أتباع ديانة مخالفة، وبعد أن يصوروا أتباع تلك الديانة المتمايزة بصورة المنحرفين الضالين المغضوب عليهم، فإذا بكلمات تخرج من اللسان ولا تتجاوز الحناجر بطلب حسن معاملتهم، ذلك الذي لا يمكن أن يرى النور، ولا أن يمشي على قدمين، لأن نفوس أصحابه أصبحت مظلمة.

وحينما يكون أمر من مثل جواز تولي القبطي، ليس فقط رئاسة الدولة أو مجلس الوزراء، بل تولي رئاسة أية مصلحة أو أية مؤسسة أو أية وزارة، مطروح على طاولة البحث، وموضوع للنقاش، بغض الطرف، عن إمكانية حدوثه من عدمها، ذلك الذي يطرح في نفوس العامة، ويترك في نفوس النشء، أشياء وأسئلة تنزل شريك الوطن في مخيلتهم ليحتل مرتبة دنيا، ليس على المستوى العملي فحسب بل أيضا على المستوى الفكري والفهم ومن ثم الإيمان الذي يملأ النفوس شيئا فشيئا.

إن تلك الثقافة التي تملأ الكتب وتلقى على المنابر، والتي تشعل الصراع، لم يتجرأ أحد من رجال الدين من الاقتراب منها، أو بالأحرى لا يريد الاقتراب منها، محاولا مواجهتها وتطهير مجتمعنا منها، لتظل كتب التكفير، وفتاوى القتل، ودعاوى السلب، ومبررات السبي حية تعيش في تلك الكتب وقلب المجتمع، ينهض إليها أعداء الإنسانية في مصر والعالم، فإذا بالفريسة جاهزة، وإذا بالصيد الثمين أمام الناظريْن وهو القبطي الذي يعيش في وطنه بيننا.

ليس ذلك فحسب، بل استخدام الصراعات والحروب في المنطقة العربية مرة وفي مناطق أخرى من العالم مرة ثانية لتكون وقودا لتلك النار المستعرة حينما تُقدَّم على أنها حروب مدفوعة بعقيدة ديانة ما، غالبا ما تكون المسيحية عقيدة أقباط مصر هي المقصودة، وهي في الحقيقة غير ذلك، وإن خرجت كلمة من هنا أو هناك يستثمرها أصحاب نظرية صراع الديانات والعقائد، لتثبيت تلك النظرية وتقديم البرهان عليها ليملؤوا بها عقول مريضة، تدفع دفعا للانتقام من أناس لا ذنب لهم، مؤكدين مرضا عضالا يمسك بمفاصل المجتمع.

إن هناك استهدافا لعديد مؤسسات الدولة المصرية، من قبل هؤلاء الإرهابيين المدفوعين من جماعات ودول تريد النيل من مصر، نرى أن العلاج الأمني، والذي تقوم به بكل بسالة قواتنا المسلحة وشرطتنا الشجاعة هو الخيار الوحيد، ولكن لاستهداف الأقباط في مصر علاج آخر يتمثل في نزع أسباب المرض المجتمعي الذي يجب أن نواجه أنفسنا بشفافية ووضوح به ليتسنى لنا اقتلاعه من جذوره، وإلا سنظل نحصد ثمارا مُرَّةً لتلك الشجرة التي ترعرعت والتي كان سقاؤها الكره، وتربتها الغل، وجذورها ذلك الفكر المتطرف.