قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

أيس كريم فى ديسمبر

×

بصوت فرح يملؤه الثقة، يشق ما كانوا يظنونه صخبًا في تلك الأيام البعيدة، ولو علموا الغيب لاعتبروه هدوء الموتى، أيس كريم في ديسمبر أيس كريم في جليم، هكذا كان يُعلن "الهضبة" ثم يكرر المقطع مرة أخرى ونحن معه أطفالًا أو شبابًا كنّا لا يهم، فبعضنا كان طفلًا بملامح شاب وبعضنا كان شابًا بقلب طفل لكن حماسنا واحد، كحماس فارس في قلب معركة لا يملك فيها إلا صوته وعزمه ليرهب عدوه، ثم يكرر للمرة الثالثة والرابعة وحتى العاشرة وإحنا معاه بكل حواسنا المُعلقة بطعم الحرية.

حواس من يتأرجح بين يوم مسالم وغد غامض، أغوته كلمة أيس كريم فصار يرددها شغفًا بسحرها، وخاصة عندما كانت الدعوة لكسر القيود وأكل الآيس كريم نهارًا جهارًا في ديسمبر، حيث الشتاء القارس بل ويمتد الحلم ويلامس رمال شاطئ جليم التي هجرناها بسبب البرد والدراسة من أيام ليست بطويلة، فلم تجد لها إلا الموج الغاضب رفيقًا لها، فيجثو على أعتاب قدميها ليفتت همومه على شاطئ أمانها ثم يعود إلى المجهول الذي أتي منه ليتجرع الحزن الذي أدمنه حدْ الحياة.

ارتباط (الآيس كريم وديسمبر) هو أول دعوة للتفكير خارج الصندوق وبعد حدود المسموح لجيل لم يعرف البلاي ستيشن أو الايباد ليتعلم كيف يحلم ويتعدي حدود زمانه وهو ملازم لمكانه.. ثم تمر السنة وربما بعض من سنة أخرى، لنبدأ في ترديد مقطع آخر لم نردده قِبلًا.

قد تكون حلاوة الآيس كريم المغمور بطعم مطر (الماريا) السبب الذي أذهب العقول عن تحدي آخر، وربما لم يتسع الإدراك لما هو أبعد، ومع إدراك العقول تتسع القلوب لمقطع (الناس حاسين بالبرد وفي قلبنا شم نسيم)، ويصبح هذا شعار المرحلة الذي لم تستطع كل كلمات أغاني شرائط عمرو من "أيامنا" وحتى "يا عمرنا" أن تنتزعه فكلها كانت مجرد كلمات تصلح للرقص في الحفلات أو لتتصدر كاسيتات السيارات وأحيانًا لتنهيدات زائفة لقصص حب زائلة.

ولكن ما يبحث عنه المراهق والشاب هو القدوة والشعارات اللتي تشبه دماغه، فلمسه عمرو دياب عندما خاطبه مباشرة وقال له (أنا جوه دماغي حاجات حتغير وجه الكون.. أحلام ألوفات ألوفات وهطولها وفين ما تكون)، فمن المؤكد أن الهضبة كان صادقًا فيما يقول عازمًا علي ما سيفعل فحلِمَ وعَِلم وعاهد حلمه وكان وفيًا له، وحول آلاف الأحلام إلى كلمات وكلمات قاربت الخمسمائة أغنية والتسعة وعشرون ألبوم!

كُلُّنا نفس الدماغ المليئة بالحاجات ولكن بَعضُنَا فقط من انتبه للمقطع الأخير من الأغنية بعد أن تفرقنا فقل عددنا وزهد حماسنا (انا مش مألوف امبارح لكن من الجاي مألوف وفي قلبي الورد الطارح من غير أشواق ولا خوف) فظلت الأحلام حبيسة بين عقل باطن يتمني وعقل حاضر يخشى.. وحتى من حفظ المقطع واعتمده شعارًا لمرحلة اعتمدته شابًا فارق أمان طفولته من زمن كفيل بالتغيير، حفظه عن ظهر قلبه لكن ليس من باطنه! فغفل عن آخر مقاطع الأغنية وفيها يكمن سر اللغز ومفتاح حله، وهو (وحعاند ايوة حعاند دائمًا من غير تسليم).

فبدأنا أحلامنا وحياتنا مسّلمين رافعين رايات التسليم البيضاء التي قد تضمن السلام المؤقت لسويعات العمر القصيرة، فهذا عمل ما لا يحب، وتلك تزوجت ممن لا تهوى، وهذا قرر معاندة نفسه بدلًا من معاندة غده وغيره من قرارات أُخذت وأحلام وأِدَت لكي نضمن أن نظل مألوفين (لإمبارح ولبكرة) حتى وإن كنّا غرباء عن أنفسنا، نحن مسيرون ولسنا مخيرون هي الملجأ الآمن لكل الأحلام المؤجلة والهاربة من ضعف أصحابها، بالرغم إن الآيس كريم يباع صيفًا وشتاءً وجليم ترحب بالزائرين ليلًا ونهارًا، ولكن كلمة الـ"هضبة" تقرر وتُصِر وتعاند الغد المعاند! للأسف جغرافية الكون كثيرة الصحراوات قليلة الهضاب كحال البشر، لا تخشى من الآيس كريم في ديسمبر قرّب وجرّب فقد تنتظر يوليو (فيسيح) وما ينوبَكْ إلا (تلزيقة)!.