هناك عوامل متنوعة لتلك الصورة الذهنية التي استقرت في عقل الأوربي العام عن المسلم في العموم والعربي على وجه الخصوص.
إن الإسلام الذي نؤمن نحن به، لم يعلن يوما عداءا لأمة، ولا حربا على حضارة، ولا تحقيرا من شعب، بل أقر إقرارا أنه جاء من نفس تلك المشكاة التي بُعِثَتْ منها الأديان السماوية، فكان تلك اللَّبِنة التي تكمل ذلك البناء الذهبي، واستفاد وأفاد الحضارات - السابقة واللاحقة - وأعلن مبدأ المساواة بين البشر الذين خُلِقوا " شعوبا وقبائل ليتعارفوا ".
إنها المصالح والأطماع، كما نؤمن، التي جعلت الأديان تتحارب، والحضارات تتصارع والشعوب تتقاتل، وهي نفسها التي جعلت كتّابا ومفكرين ووسائل إعلام تملأ ذهن الشعوب الغربية بصورة - بألطف التعبيرات - غير حقيقية عن الإسلام والمسلم، سدًّا لطريق التعارف والتعايش، وطمعا فيما لدى شعوب هذا الدين من ثروات ونِعَمٍ أفاء الله - سبحانه وتعالى- عليهم بها، فكانت سببا في أن يرسموا الخطط وأن يعدوا العدد للسيطرة على المنطقة، واستنزاف ثرواتها.
وذلك هو عينه ما يؤكده "موريس بوكاي" في محاضرة له كان قد ألقاها حول ترويج الأفكار الكاذبة عن الإسلام انطلاقا من أخطاء في ترجمات القرآن، وذلك أثناء ندوة عن الإسلام التأمت باليونسكو بمبادرة من المؤتمر الإسلامي في شهر ديسمبر 1980 : "إنه لمن الصعب للغاية بالنسبة لغربي لا يحسن اللغة العربية، ويعيش في بيئة لا تخفي عداوتها للإسلام، أن تكون له فكرة دقيقة عن ماهية الإسلام إذ ما يتعلمه هذا الشخص وما يسمعه في بلاده، وما يقرأه من مؤلفات، يسهم في تشويه صورة هذا الدين؛ لأن الكثير من المستشرقين الملمين بالرسالة المحمدية لا يفهمون الإسلام إلا كما يشتهون أن يكون بدلا مما هو عليه"
وبعد ما تعلمت اللغة العربية، والكلام مازال على لسان موريس بوكاي، على المستوى الذي يسمح لي بتلاوة القرآن وفَهْمِه أيقنت أن بعض النيات كانت تريده غامضا عن قصد إما لتشويه معناه، أو لتطويعه لوجهات نظرهم المنحازة".
ويؤكد ما ذهب إليه أيضا روبار سوان و ففخيا همزدقؤ) الأمين العام للرابطة البرلمانية من أجل التعاون الأوروبي العربي، فقد أكد في محاضرة له كان عنوانها "الإسلام كما يراه الغرب"، أن الموقف الراهن الذي يتخذه الغرب إزاء العالم الإسلامي يرجع أكثر مما نتصور إلى أهواء الأجيال التي سبقتنا وإلى أحكامها المسبقة ذلك إن الدراسات الغربية الخاصة بالدين الإسلامي وبالمسلمين كانت تهدف إلى تكريس تفوق الغرب.
وقد أخذ المسيحيون على لسان البابا يوحنا بولس الثاني في يونيو 1980 باليونسكو موقفا واضحا من هذا الموضوع فقد قال قداسته: إن أجهزة الإعلام الجماهيرية لا يمكن بحال من الأحوال ان تفرض هيمنتها على الآخرين. بل عليها أن تراعي قيم الأمم وتاريخها وتحترم حق الإنسان في الكرامة باعتبار أن الهوية الثقافية خلاصة تلك القيم ومازال جل ما نقرأه اليوم من دراسات ومقالات صحافية وتصريحات سياسية من مصادر جدية يؤكد هذه الاعتبارات.
لم يكن الأمر، أعني أسباب تلك الصورة السيئة عن الإسلام والمسلمين، هكذا فحسب، بل زاد الطين بِلَّةً حينما اتخذ ثلة ممن ينتمون لهذا الدين الحنيف العنف مسلكا والإرهاب مذهبا، وأيٍّ ما كانت الأسباب التي دفعت لذلك، وأيّ ما كانت الجهات التي تقف وراءهم، وأيّ ما كانت الجماعات والدول التي تدعمهم، فلقد ظلوا محسوبين على الإسلام والمسلمين، فتم استغلال ما تقترفه تلك الأيادي الآثمة، لتزداد الصورة الذهنية للغربي عن الإسلام والمسلمين قتامة وتشويها، ليجد المسلم نفسه محاصرا بتهمة الإرهاب والتي لا يجد منها فكاكا، ويزداد الأمر صعوبة لدى المسلم في البلاد الغربية، فيُنْظَر إليه، على أحسن الفروض، كونه مشروع إرهابي، ليجد مسلمو الغرب أنفسهم وقد وُضِعوا في زاوية يوضعون فيها في مرتبة دونية في سلم درجات المجتمع الذي يقيمون به، بسبب فعل لم يقترفوه، وهو وضع يجب أن تعمل على تصحيحه الجماعة المسلمة في الغرب، تساعدها فيه الدول الإسلامية من ناحية والمؤسسات والمنظمات الإسلامية الفاعلة من ناحية ثانية.
ومع ذلك السلوك الإرهابي، التي ترسخ تلك الصورة القبيحة التي يصدرها هؤلاء الإرهابيون، فإن الكاردينال كريستوف شونبرن رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية النمساوية يخرج ليضرب مثلا يحتذى ويسير على نفس درب البابا يوحنا بولس الثاني، ليعلن فى اللقاء السنوى مع المستشار النمساوى كريستان كيرن بحضور كل الطوائف الدينية المعترف بها ومنها الكنائس الارثوذوكسية السريانية والأرمنية إلى جانب المسلمين واليهود، بصدق عن سعى الغالبية من المسلمين للاندماج فى المجتمع النمساوى واحترامهم للقيم الاوروبية كما يؤكد أن الصورة السلبية عن المسلمين مبعثها تضخيم الإعلام لبعض الحوادث وربطه الإرهاب بكل المسلمين بشكل مطلق وهو أمر مجاف للواقع.