مدفع الإفطار (أستحلفك بالله) اضرب... أهو الجوع !! لا أظن فالنهار أقصر من أن يشعرك بذلك، أم تراه العطش!! أي عطش في هذا اليوم الرمضاني الشتوي القصير، ثم هل كنت صائمة بالأصل لأتحدث عن حرمان الصائمين وأنتظر المغرب بلهفة القائمين ؟؟ لا أتذكر !! بالرغم من قوة الذاكرة الفطرية لطفلة لم يُكمل عمرها مجموع أصابع اليدين ولكن تلك الذاكرة كانت مشغولة بما هو أهم من ( قطايفاية ) دخلت أحشائي خلسة بينما أتذوق رشفة قمر الدين كي ( يبّلع) السمبوسك في لحظة نسيت أو تناسيت فيها إني صائمة !! لا يهم ففي كل الأحوال ستتتباهي أمي بشطارتي علي قدرتي علي الصيام من (باب التشجيع) أمام عائلتي و( طنتاتي) لثقتي في إنها ستتغافل عن ذلاتي وستغفر لِذاتِي ضعفها أمام اللذاتِ.
وكنت ومازلت أؤمن أن غفران أمي هو صك نول العفو من الرحمن... إذًا لم الإنشغال بعقارب الساعة وإهدار وقت الدعاء في أن يمضي النهار سريعًا ويمر الشهر بطيء!! كل ذلك كان من أجلها تلك المُفرحة، شقية الحركات حلوة القسمات، مبهرة الأزياء ، المبهجة في أنفاسها، السعيدة في نبراتها، الرشيقة في خطواتها، الجديدة على جيلها والمتجددة في فنها إنها (الكريمة في موهبتها والحليمة علي مرضها والفاطيما في جمالها) بل هي كل ما اجتمع في البنات من زينة ورقة ودلع.. إنها شيريهان ... نعم أنا متميمة ( بالشيريهانيزم) وإذا كنت تشاركني الرأي المُغمس بمشاعر الحنين بينما تقرأ تلك السطور فأراهن علي وجود تلك البسمة المنفلتة من بين شفاه تحاول جاهدة أن تكون منضبطة ولا تردد (حول العالم يالا نطير علي طيارة فوا هوا زير).
أما إذا وجدت كلماتي مجرد سفسطة من رأس فارغة إلا من ذكريات طفولة تافهة فأيضًا سأراهن علي نفس الابتسامة اللاتي ظاهرها التهكم من ذكرياتي وباطنها ذكرى تلك المشاحنة اليومية بينك وبين صاحبك علي أن (دار أبوك كان بيتي ولا الدربكة هي اللي نبيتي) في ذاك الزمن اللطيف الإيقاع قبل أن يشتعل الرأس بمشيب المسؤوليات، بلا شك استطاعت شيريهان أن تقدم نموذجًا لا ينسى في القدرة علي تحدي الألم الجسدي والنفسي وأثبتت أن (الضربة اللي علي طريق مصر إسكندرية) إذا لم تقضِ فستقوي، وأن الإنسان أقوى من ظروفه فلقد تربت يتيمة الأب في الحياة وعلى الورق !! كُسرت عصاها اللاتي تتكأ بها علي الأيام وهي عود شديد الطراوة عندما فقدت أخوها وكان كل ما لها من دنياها، الفنان الراحل عمر خورشيد، وكأن الله أراد بها مثلًا في صناعة الأمل من قلب الألم، وها هي صانعة البهجة تَطُل برأسها من جديد في نفس ميعاد قِطافها الرمضاني اللاتي حرصت عليه لأعوام طويلة، وأبعدها ما حاشا أن يكون لجفاف أرضها أعوامًا أطول قاربت علي العشرين عامًا لم تزيدها إلا ألقًا وبريقًا وكأنها حورية من الحواديت كلما غابت بجسدها كلما حضرت بروحها.
تواجه تحديات اعتادت عليها حتى عودتها أن تروضها وتسقيها شَرْبَة الهزيمة فلم يقدر علي فراشة الفن بأمر ربها أحدًا، فأول التحديات الموجهة إليها هو هل لازالت بنفس اللياقة والمرونة اللتي اعتادها جمهورها ؟ بل إن الأمر بلغ بقيام تحقيقات صحفية حول أبطال أعمالها السابقة وتوجيه تساؤل للإحراج أقرب منه للاستفهام هل ستقبل الوقوف كبطلة في دور الشريكة لعادل إمام ويحيي الفخراني فكلاهما يلعب دور الجد الآن فهل ستكون هي الجدة ؟ دعوها وشأنها رجاءً فإذا لم تستطع أن تملأ الشاشة فنًا افتقدناه فستملأها دفأً اشتقناه تلك هي شيريهان كما وصفها الراحل فوءاد المهندس إن (الوسط ده إيه يا إخواتي عليه علي رولمان بلي لا زمبلكات) وإذ حال الزمن أن ترقص في الرقصة ( عشر رقصات) فلن يستطيع أن لا يجعل مشاعرنا ترقص الرقصات العشر فرحًا بعودتها.