نحن لا نتحدث هنا عن خيال علمي أو قصة فيلم سينمائي، بل عن حقيقة واقعة، فالتحضيرات تجرى حاليا على قدم وساق استعدادا لإجراء أول عملية نقل رأس من إنسان إلى آخر في وقت لاحق هذا العام سيقوم بها الجراح الإيطالي فرانكنشتاين، الذي يعمل منذ ثلاثين سنة على نقل رؤوس لقرود وكلاب وفئران بنجاح ويتعهد بنجاحها في الإنسان بنسبة 90 %، وأول مرشح ستجرى عليه هذه العملية هو شاب روسي معاق جسديا وجسمه ضامر لكن رأسه سليم وتبدو عليه علامات الذكاء والعبقرية. العملية ستكون مكلفة ماديا في بادىء الأمر، ويستغرق إجراؤها يوما ونصف، لكنها سرعان ما ستصبح روتينية وتقل تكلفتها وتنتشر وتصبح في متناول الجميع. السبب في التحضيرات الطويلة لهذه العملية هو العثور على الجسم المناسب من حيث الطول والوزن والتوافق المناعي بين المتبرع بالجسم وصاحب الرأس.
على من ستجرى مثل هذه العملية ؟ أولا، ستجرى على شخصين أحدهما جسمه معاق أو مشلول رباعيا، لكن رأسه بحالة جيدة جدا، والثاني جسمه سليم ورأسه ميؤس منها لأي سبب.. توضع رأس الأول على جسم الثاني، لينشأ بعد العملية شخص سليم و"جديد".
ُثانيا، الشخص الجديد سيكون صاحب الرأس، روحا ونفسا وقلبا وعقلا.. وهو المتصرف في باقي الجسم، وهو حامل الهوية، حتى لو كانت أصابع يده تحمل بصمات شخص آخر..!
ثالثا، صاحب الرأس (صاحب الجسم الجديد) لن تكون له أطفال من صلبه، لأن الشفرة الوراثية تنشأ في الخصية، والخصية التي لديه ليست خصيته بل تعود إلى غيره.
رابعا، قد تحدث فوضى عارمة بعد انتشار هذه العملية. فقد نرى : رأس رجل على جسم امرأة والعكس، رأس أسود على جسم أبيض، رأس ياباني على جسم أمريكي، وهكذا، لأن التجهيز سيكون على حسب "المتوفر" .. كيف يكون سلوك الشخص الجديد وتفكيره ؟ لنتأمل .. الرأس يختار العروس، والذي سيتعامل معها جسم آخر !!.
خامسا، العملية تؤكد صحة "نظرية الاستبعاد" التي تحدثنا عنها في مقال سابق، وهو أن كل ما تحت الرأس خدمي يمكن الاستغناء عنه وتعويضه، وأن الروح حتما تعمل من الرأس.
ولأن حضاراتنا السابقة هي التي أضاءت للعالم المتحضر طريقه، وجب علينا أن نكون إما في الحدث أو أمامه وليس خلفه على أية حال. على الفقهاء ورجال القانون أن يستعدوا ويهيئوا أنفسهم من الآن لسن الفتاوى والقوانين الملائمة لفض ما قد ينشأ عن هذه العملية من منازعات، خصوصا ما يتعلق بالميراث وابتكار درجات قرابة جديدة، ومصير الزوجتين وأطفالهما السابقين واللاحقين... قد يفتي الفقهاء بأن نقل الرأس حرام، ويمنع إجراؤها في بلادنا وينتهي الأمر.
لكن، أليس للضرورة أحكام ؟ أو كما قال الفقيه ابن القيم "لا حرام مع ضرورة".. لماذا لا نحصل على شخص جديد سليم معافى من اثنين ميئوس منهما أصلا، شخص بإمكانه أن يعول أفراد الأسرتين، بدلا من إضافة أعداد جديدة من الأرامل والأيتام إلى المجتمع ؟.