أثناء متابعتي لما أثير حول عدم تمكن اللاعب الدولي الكبير محمد أبو تريكة من المشاركة في عزاء والده الذي وافته المنية يوم السبت الماضي، وما أثير كذلك حول زيارة أسطورة العصر الحديث في كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي للمساهمة في حملة القضاء على فيروس التهاب الكبد الوبائي، حيث كانت مصر أكثر دول العالم إصابة بهذا المرض اللعين.
أثناء تلك المتابعة أدركت أن لدينا مشاكل خطيرة في طرح القضايا، ومن ثم النتائج التي نحصل عليها، لأنه ربما يكون لدينا فهم غير صحيح للقضية ذاتها، أو هناك خلط متعمد، وذلك مقطوع به عند البعض، لكي يتم الوصول لنتائج بعينها، يتم وضع المقدمات لها لتبدو للعامة وكأنها نتائج موضوعية.
محمد أبو تريكة لاعب كبير لا يمكن لأحد أن يختلف على تلك الموهبة التي منحه الله سبحانه وتعالى إياها، ولعله اللاعب المصري الوحيد الذي جاء بعد الأسطورة محمود الخطيب، ليجتمع الغالبية العظمى من جماهير مصر على موهبته وحبه، ذلك لا خلاف عليه، وكذلك سلوكه في الملعب ومع زملائه في الفريق أو منافسيه، قد ضُرِبَ به المثل، وإن كان هناك من جماهير الأندية المنافسة خاصة ناديي الزمالك والإسماعيلي من اتهم اللاعب بالحصول على أخطاء من بينها ضربات جزاء بطريقة غير أخلاقية، وهذا يأتي لدينا في إطار المكائد التي يراها أنصار فريقه ذكاءً ويراها أنصار المنافسين غِشًّا، لا يليق برياضي، - فضلا عن أن يوصف بخلوق - أن يأتيَ به.
ولكن يظل سلوك أبو تريكة بدرجة هائلة في الملعب أخلاقيا، استطاع من خلاله أن يسحر القلوب، ويستحوذ على العقول، كل ذلك شاهدناه ونشهد به، ولكن أن يكون هناك حُكْم لمحكمة تضع أبو تريكة على لائحة داعمي الإرهاب، فإن ذلك بينه وبين سلوك الرجل في الملعب بون شاسع، فمن حقنا أن نضع أكاليل الزهور في عنق اللاعب الموهوب الخلوق، ولكن ليس بوسعنا أن نتجاهل حكم المحكمة الذي ولا شك قد صدر عن قضاة بحثوا ملفات قدمتها النيابة العامة لهم، هنا يجب أن يكون موقفنا - نحن الجماهير المحبة العاشقة للاعب الكبير - مختلف، حيث يجب احترام القضاء، كما يجب على محبوبنا الرياضي، أن يتمتع بالفروسية التي تليق برياضي كبير، ويقدم ما يؤكد براءته من هكذا تهمة شنيعة في حقه، وهو ما تمنينا أن يعلن عنه اللاعب " الخلوق "، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، أو ربما هناك خطوات قانونية قد وُكِّل بها أحد.
وللحظة صعود روح والده رحمه الله إلى بارئها، لم يكن هناك حكم قد صدر على اللاعب محمد أبو تريكة، ولم يكن مطلوبا من قِبَل الشرطة، ولكن لابد أن يخضع للتحقيق فيما نسب إليه هو وآخرين باعتبارهم شخصيات وكيانات تدعم الجماعة إرهابية، وكان يستطيع أن يشارك في عزاء والده، ثم بعد ذلك يثلج قلوب محبيه، بالمثول طواعية أمام المحققين، مثبتا براءته، التي يتمناها عشاقه وأنا منهم، هكذا يجب أن تطرح القضية، وليس غير، فليس هناك من هو فوق القانون في هذا البلد، ولعل من هم في السجون ومن خضعوا للتحقيق، ما يكون دليلا لمن يريد دليلا، ونزيد هنا من الشعر بيتًا، في هؤلاء النجوم الكبار، ليس في مصر، بل في العالم، الذين وقفوا أمام القضاء، منهم من أثبت براءته، ومنهم من أدين، مثلما حدث مع أسطورة منتخب الديوك ميشيل بلاتيني الذي تم التحقيق معه في قضايا فساد، وهو من هو، في فرنسا والعالم.
وإذا انتقلنا إلى زيارة الفذ الأرجنتيني ليونيل ميسي، لوجدنا الأمر وقد تم تناوله، على نفس المنهج الذي طُرِحَتْ به قضية أمير القلوب من خلط متعمد، للأسف زُجَُ فيه مرة بالدين، وأخرى بادعاء المثالية، في غير محلها، فَمِنْ منتقد للشركة الراعية والمال المدفوع للنجم الكبير، ومن سخرية من الحفل الذي أقيم استقبالا لعظيم الساحرة المستديرة في العصر الحديث، ومن مقاربة تؤكد ضيق الأفق، تدعو للتبرع بما دفع لاستقبال ميسي للفقراء المعدمين، باعتبار ذلك أكثر نفعًا. هؤلاء المعدمون الذين لن يفعل لهم كل ما تم إنفاقه مضروبا مئات المرات شيئا، حيث إن هؤلاء المعدمين في حاجة إلى خطط ومشاريع تقوم عليها دول ومؤسسات عالمية، يتحمل فيها العالم كله دوره، فلو اتخذنا من ذلك سببا فيما يتم إنفاقه في مثل هكذا فعاليات، فإنها لن تتم مطلقا لا في مصر ولا في غيرها من بلدان العالم جميعًا، حيث هناك مئات الملايين من البشر يئنون من الفقر ويتضورون جوعا.
أما إذا وضعنا الفعالية في سياقها الطبيعي، فهي فعالية هامة، شارك فيها النجم الأول عالميًا، في هدف إنساني سامٍ، كان لها مردود على مصر الدولة التي تعاني تراجعا شديدا في مجال السياحة، ليأتي ميسي مانحا قبلة حياة - تحتاج مصر مثلها مئات القبلات - لا شك أنها ستساهم بشكل أو بآخر مساهمة إيجابية في صورة مصر بالخارج.
ليس موضوعيا أيضا أن تعقد مقارنة بين زيارة ميسي لمصر، وعدم مشاركة أبو تريكة في تشييع والده، حيث لا وجه شبه في الحالتين، إلا عند هؤلاء الذين يَلْوُون عنق الأشياء، ليعقدوا مقارنة بين الحديقة والبحر.