إذا عُرف السبب بَطُل العَجب... وهنا أتحدث عن التعجب والتساؤل المُلِح عن أسباب أزمة السياحة في مصر!!.. فكيف لدولة لها وحدها مالا تملكه نصف قارات العالم أجمع من أثار، وتقع علي بحرين متباينة ألوانهم ، وتحتضن 11 بحيرة تنساب في بِقاعها بعذوبة تضاهي في جمالها حلاوة شابة حَلِت ضفائرها ،و يُشكِّل ١٥٪ من إجمالي مساحتها محميات طبيعية بلغ عددها ٣٠ محمية لا تملك بعد أن تراها إلا أن تخُر ساجدًا حامدًا لله علي بديع تصويره.
دولة تقع في أحضان صحراويتين خلابتين مسليتين بأنشطتهما المتعددة من السفاري وسهر الليالي علي ضي اللآلئ في سماء سقفها عالي، ذلك فضلًا عن مكانتها الدينية الرفيعة اللتي اكتسبتها يوم أن كلّم الله نبيه موسى "عليه السلام "وتأكَدِت يوم أن شقْ الله البحر بفرعون لتكون مصر شاهد علي نهاية الظُّلم وتكون أرضها عِبرة لكل الظالمين، وتعاظمت مع رحلة العائلة المقدسة من فلسطين لسيناء بحثًا عن الأمان عندما أوحى الله لهم أن يرحلوا لمصر لحماية نبيهُ عيسى "عليه السلام" ، و أكتملت بوصية سيد الخلق محمد"عليه الصلاة والسلام" بأن أوصى بأهل مصر خيرًا، أضف إلى ذلك كله كرَم ضيافة المصريين وذلك سيدركه تمامًا كل من سافر إلى الخارج ومع بوفيه وجبة إفطار اليوم الأول ستشعر بحنين (للعِز) في بوفيهات فنادق بلدك وستصرخ قائلًا( عَمَار يا مصر ) عندما تدفع ثمن الشوكة البلاستيكية وباكيت الكاتشب عند شرائك إحدى الوجبات السريعة من نفس سلسلة المطاعم الموجودة في آخر شارع بيتكم حيث هناك يُغدَق عليك بالمعالق والشوك والمناديل المعطرة و لن يقف الأمر عند الكاتشب فقط بل ستحصل علي عدة أنواع مختلفة من المقبلات فوق البيعة لأنك في بلد السَتر.
مصر بها عقليات اقتصادية جبّارة تتصدر أخبارهم أكبر الصحف العالمية بقرارات كان لها شأن في تغيير قواعد اللعبة في أسواق المال الدولية، وبها عقليات سياحية كل رأس فيهم كفيلة بإصلاح أزمة السياحة على كوكب الأرض وَفَتْح أسواق رائجة في كوكب المريخ مع ترانزيت يومين في كوكب عطارد الشقيق.
ومع كل هذا مصر بها أزمة تسويق سياحة حقيقية يا للعجب!! سيزول كل هذا العجب وستُمحي علامات الفِكر علي وجهك إذا شاهدت أحد اللقاءات الضنينة لوزير السياحة والرجل قليلًا ما يظهر ليس لأنه يفضّل العمل في صمت، ولكن لأنه يؤثر الصمت !!وفيما يبدو أنه مُحِقًا فبعد أن سكت دَهرًا نَطَق عجبًا فعِند سوءالِه عن تدهور أحوال الأقصر وأسوان و تدعيم سوءال المحاورين بشهادة خبير سياحي جاءت خبرَته مما خَبَرَهُ في المجال الذي صرف فيه عمره وجمّع منه ماله كانت أبرز نقطة في اللاإجابة الذي ردّ بها علي السؤال إن الوزارة صرفت مبلغ من المال ( مش حقولك كام) علي بعض الأعمال لتطوير المدينتين، ولا أدري لما لم يسأله أحد المحاورين الثلاثة -وهم أساتذة كِبار- هل ذلك الحرص علي عدم ذكر الرقم من باب الخوف من الحسد؟ أم تري ذلك المبلغ من باب الصدقات والزكاة في ميزانية الوزارة فخشية ضياع الأجر والثواب أمتنع عن ذِكْر الرقم!!
وعندما سألوه عن الحال في شرم الشيخ كانت إجابته سريعة لأنها معلقة علي شماعة اللجنة اللتي شَكلّها سيادته فور توليه الوزارة واللتي تعقد كل سبت بحضوره شخصيًا وبالرغم من أن الحلقة يوم السبت وعلي الهواء مباشرة فكنت انتظر سؤال من أحد المحاورين وما آخر ما نتجت عنه إجتماع لجنة اليوم؟!! وربما يكونوا قد تجنبوا هذا السؤال لأن كما هو معروف عندما يستشعر المسؤول الحرج يلجأ لتشكيل لجنة علي "الهواء مباشرة" لحل الموقف .. أما عن الخسائر اللتي تكبدتها شركات السياحة الدينية فوعَدهم بتعويض تلك الخسائر في الثلاثة أشهر وهو عُمر موسم العُمرة الذي تمّ السماح به و هُنا أيضًا كنت أتمني تعقيبًا يحمل انبهار بعد ذاك الأبهار لتوضيح كيف ستعادل أرباح الأشهر الثلاث أرباح عام كامل ولكن لم يراعي المحاورون أصحاب القدرات البسيطة في الرياضة و تركوهم لشياطين سوء النية والتشكيك !!
السياحة هي صنيعة وصناعة خالصة للقطاع الخاص هو القائم بها وعليها ولكن الدولة هي المايسترو الذي ينسق العزف ويضبط الأوتار وإلا سيكون الأمر أشبه بوجودك في أفخم دور الأوبرا مع مجموعة من أمهر العازفين ولكن لغياب المايسترو العاشق لفنه، الفاهم لطبيعة الآلات، المتفاعل مع الجمهور بذكاء، المرهف الحس بما يحدث حوله، الحاد البصر والبصيرة سيكون اللحن نشاذ أشبه ( برَقْع الحِلل).... فلا عَجَب علي حال القاعة وهي تخلو إلا من بعض من يتحملوا ذلك اللحن السيئ حبًا وولاءً وإجلال لمكانة المكان.