ربنا ما يقطع لنا عادة

مرت أيام قليلة علي ذكري ثورة ٢٥ يناير التي شهدناها من سنوات ليست ببعيدة ... في مصر لكل مناسبة طقوسها الخاصة ، فرمضان موسم الياميش والمكسرات ( قبل ما يصل سعر بعضها الف جنيه للكيلو) وعيد الفطر موسم الكحك والأضحي اللحم حتي عيد الأم موسم للحلويات والتورتات... ولم تسلم الأحزان من عُرف المواسم ففي الذكري السنوية لمن فارقونا نحيي ذكراهم العطرة بشُريك و جوافة !!.. إحتفالات المصريين جميعها مرتبطة ( بالأكل ) .

وفيما يبدو بعد أن وزعنا قائمة طعامنا علي كل إحتفالاتنا و أحزاننا لم نجد ما نأكله في ذكري ٢٥ يناير ويلائم (أعدقاء الثورة ) أي أصدقاءها و أعداءها علي حد سواء فقررنا حفاظًا علي عادتنا ( وربنا ما يقطع لنا عادة ) أن نأكل بَعضُنَا البعض... فذكري الثورة أصبحت موسم اللت والعجن للمزايدة علي وطنيّة أبناء الوطن الواحد... يكفي سوءال {مع ولا ضد} لإثبات كل أدلة الأتهام عليك مهما كانت إجابتك فالمعسكرين جاهزين بأنواع من ( الدبش ) عالي الجودة يعور ويعلِم ويجرح بضربة واحدة... فهناك دبشة التخوين وهي من النوع القوي سريع المفعول قادرة علي أن تجعلك تدافع عن نفسك لساعات ستنتهي بإدانتك وهناك دبشة ( إيه فهمك إنت ) قادرة علي أن تَشل منطقك لدقائق كافية بأن تتلقي عددا لا بأس به من الأدلة علي جهلك و قلة خبرتك وضعف حيلتك و هوانَك علي النَّاس التي شاركت في تكوين رأيك المبني علي ( مخهم التخين) .

أما إذا قررت أن تنجو بنفسك من مرمي التراشق وتقفل بابك عليك وتشاهد العالم المتناحر من خلف الشاشة الأقرب لعقلك فستجد مجموعة منتقاة من الخبراء في كل مجال وعلي كل نوع يشرح ويشَرَح كل ما مررنا به بمهارة جراح عالمي تستعجب أن برغم نباهته و ملكاته المحبِي بها موقفه السابق الذي تنكر له فجأة أو سكوته علي حق باطل وربما مساندته لباطل بدعوي أن هذا هو سبيل الحق... إلي متي سنظل نقتات علي هفوات بَعضُنَا البعض من أجل استدعاء بريق زائف ... متي سنتدبر مامررنا به لننجو مما سنمضي فيه ... اتفق أو إختلف مع ٢٥ يناير تطلق عليها ثورة أو عورة هو شأنك وحدك ... لكن أن تتجاهل الدروس المستفادة منها فهذا شأن الوطن... ٢٥ كشفت حقيقة عارية واضحة كالشمس أن إتحادنا كان مصدر قوتنا.

فعندما إتسعت صدورنا للإختلاف بيننا إستطعنا وعندما بدأنا في التشرذم و سلكنا سُبُل العصبيات كنّا علي شفا جُرف هار... الحياة مبنية علي الإختلاف الذي يثري وينوّع وليست علي الخلاف الذي يهد ويدمر... التضاد يقوي المعني ويوضحه ويزيده جمالًا فالأبيض يزداد وهجه كلما زاد بريق الأسود و الليل تتجلي آياته لأنك واثق أن بعده نهار... لولا قسوة الكراهية ما شعرنا بروعة الحب... تلك سنة الحياة لا تتحداها تعلم أن تتعداها....