لاقى بيان توقف الإعلامي إبراهيم عيسي صدي كبيرا في الأوساط الإعلامية سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية وكأن توقف برنامجه الذي كان يقدمه علي قناة القاهرة والنَّاس بمثابة النهاية الكونية !! والبعض أخذ يدافع عنه ويزايد رافعا شعار الحرية والديمقراطية ولاعنًا السياسات القمعية وما إلى ذلك من مصطلحات اعتاد على استخدامها عديمي الحجج والمنطق في تناول موضوعاتهم، هاجمني البعض ورأى أنني كنت أداة في أيدي النظام تم استغلالها للهجوم علي عيسى وكأنني أنا الذي تمت دعوته بمؤتمر الشباب كمتحدث رئيسي أمام الرئيس !!
اتهموني أنني أعمل مع الأجهزة الأمنية وكأن حراسة عيسى المخصصة له من وزارة الداخلية تحميني أنا ولا تحميه هو !! الكل لا يصدق أن إبراهيم ترك برنامجه بإرادته الحرة فمخزون شهوة الشهرة بداخله يمنعه من الإقبال على ذلك القرار، ولا تصدق أن جهات عليا قد تدخلت لمنع ظهوره، الحقيقة هي أن أسباب استمراره لم تعد مجدية، ومبررات ظهوره هي التي انسحبت من حوله فهو قد أدرك بخبرته الأمنية الطويلة وبعد تراجع معدلات مشاهدة برنامجه أنه لم يعد له دور مؤثر في النظام المصري الجديد فقرر أن ينسحب انسحابا تكتيكيا مغلفا بأسطورة الاضطهاد من الدولة التي قرر أن يستمر في مراقبتها لرصد اللحظة التي قد تمكنه من العودة مرة أخرى من خلال باب أحد أجهزتها العميقة التي دخلها الأستاذ إبراهيم أول مرة كيف ومتى ؟
الشاب الطموح الموهوب النازح من قويسنا إلى قاهرة المعز ذات الألف مأذنة وجد ضالته المنشودة في شارع قصر العيني حيث مؤسسة روز اليوسف العريقة، وعلى بعد خطوات منها يقع مبنى أمن الدولة الشهير بلاظوغلي وهناك التقى بمشغله الأول الراحل اللواء رؤوف خيرت الذي احتضنه وكان السبب في شهرته ومصدر معلوماته عن الجماعات الإرهابية التي كانت تواجه الدولة المصرية بضراوة في أوائل تسعينيات القرن الماضي، والذي خصص له حراسه خاصة لم تتوفر لمن في عمره آنذاك !! أه والله العظيم ولكن القدر لم يمهله حيث اغتيل اللواء خيرت فانقطعت صلته بلاظوغلي ولَم تنقطع بالدولة العميقة التي لم يعد يستطيع الاستغناء عن مظلتها التي وفرت له الحماية والقوة والسلطة، خلال السنوات التالية لاغتيال اللواء رؤوف خيرت التي سبقت ٢٥ يناير كانت تعد عملية ترحيل نظام مبارك في مطبخ الدولة العميقة لمع اسم عيسى الذي يبدو أنه قد تلقي همسا في أذنه من طرف خفي من أباطرة الدولة العميقة لينطلق إبراهيم عيسى مسرعا بأخذ موقعه لأداء دور محدد تبعها على قدم وساق عملية إعادة إنتاج عيسى ليصدر صفوت الشريف قراره الفوري بإصدار جريدة الدستور التي أفردت صفحاتها ضد جمال مبارك بعدما احتدم الصراع بين مايسمى بالحرس القديم للحزب الوطني والحرس الجديد بقيادة جمال الذي انقض عليه عيسي ورفاقه بحملة ضد التوريث لتصدر تعليمات جديدة لعيسى بمهمة أخرى كان لها ثلاثة محاور: الأول تفريغ مبارك من مضمونه بالحديث التفصيلي عن تدهور صحته واختلاله عقليا وبدنيا ( من أمده بالمعلومات عن صحة مبارك هو نفسه من ضمن له العفو الرئاسي حتى أن زكريا عزمي كان مدعوا رئيسيا في حفل زفاف نجل الراحل عصام فهمي مالك جريدة الدستور بأحد أشهر فنادق العاصمة حيث كان عيسى منتظرًا عزمي على باب القاعة).
أما الثاني فكان يكمن في رسم صورة ذهنية بشعة لجهاز الشرطة والذي كان له مفعول السحر لما واجهته الداخلية في يوم ٢٨ يناير الأسود.
والثالث كان تسويق جماعة الإخوان من خلال اتفاق مبرم أداره القيادي الإخواني المسجون عصام العريان.
وبعد نجاح يناير نجاحا مرحليا وانتهاء مهمة ترحيل مبارك ازداد نجم عيسى لمعانا حتى تم استدعاؤه مرة أخرى من جانب الدولة العميقة بصدور تكليف جديد: لقد بدأت عملية ترحيل الاخوان لينطلق عيسى مسرعاإلى موقعه الجديد كمستشار لحملة الراحل اللواء عمر سليمان الذي حالت ضغوط مهولة دون استكمال ترشحه ( لم تكشف أسرارها بعد ) ، انتهت العملية الانتخابية بفوز مرسي العياط إلا أن عملية ترحيله وجماعته لم تنته ، وعلى مدار عام بأكمله دارت مكالمات ولقاءات إبراهيم عيسى بلاعبي الدولة العميقة الجدد كما لم تتم من قبل حتى وصلت إلى شهادته لصالح مبارك في قضية القرن ليس تعاطفا مع الأخير بل لإتمام مهمة كشف وتعرية الإخوان وفضح تخابرهم أمام الشعب المصري !! انقضت السنة التي حكم خلالها المتخابر مرسي العياط وصولا لمرحلة جديدة من الحكم لم يظهر لعيسى فيها دور محدد حتى الآن بعدما تعرض لجرعات انكشاف مركزه جعلت منه نموذجا مشوها أمام وعي الجماهير التي احتارت في تصنيفه فلم تعد قادرة على متابعته اليومية لتقل شعبيته وتتراجع بشكل ملحوظ الشيء الذي جعل إبراهيم الذي يتمتع بقدر غير قليل من الذكاء والموهبة أن يدرك طبيعة المرحلة فقرر الهروب التكتيكي انتظارا لتكليف جديد بدور جديد وفضل المكوث بالمنطقة الرمادية منتظرًا سماع صوت - أي صوت - يأتي من خلف أبواب الدولة العميقة التي أدمنها .. والله على ما أقول شهيد.